22 نوفمبر 2025

تسجيل

لا حزن يدوم ولا سرور

10 أغسطس 2016

قد نبكي عندما نحزن كما نبكي عندما نفرح أيضاً، وهناك بكاء من الوجع والشكر والبكاء من خشية الله، وغالباً ما يكون البكاء دائماً حزناً، حيث ارتبط البكاء بمشاعر الإنسان، وهو شائع في مختلف الأعمار والأجناس والبيئات، ومن الأخطاء الشائعة اعتبار البكاء دليلاً على ضعف الإنسان، فهو عملية طبيعية يجب ألا نخجل منها، فهو استجابة طبيعية لانفعالاتنا الداخلية، والإنسان الذي يبكي هو الذي يمزق كل الأقنعة وكل الاعتبارات وكل الأدوار الاجتماعية، وينصح العلماء بالتعبير والإفصاح عن الأفعال وعدم كبتها، حيث وجدوا أن البكاءَ يُرِيح الإنسان من الضغوط والانفعالات. وقد أثبتت الإحصائيات أن البكاء يختلف باختلاف المجتمعات، فهناك شعوب لا تبكي كثيراً مثل الشعب الفرنسي الذي لا يبكي إلا 8% فقط والسبب هو الحب، يقول الحق سبحانه وتعالى: (وأنه هو أضحك وأبكى)، حيث الانفعال الطبيعي الذي يأتي من الله، وهكذا تنزل أحياناً الرحمات من الله فتفيض العيون بالدموع، كما أن هناك مجتمعات لا تحترم الشخص الذي يبكي وتعلم أبناءها منذ الصغر أن البكاء للأطفال والضعفاء فقط، وعكس ذلك هناك مجتمعات أخرى تعبر عن انفعالاتها بشكل ملحوظ ولا تستطيع السيطرة على مشاعرها أو التحكم في دموعها. ويعتقد البعض الآخر أن التعبير عن الألم يظهر نقص الإيمان بالله تعالى، وهو اعتقاد خاطئ فالعكس صحيح، لأن البكاء عند سماع الموعظة أو عند التأثر بموقف معين هو صميم الإيمان بالله تعالى. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: (تولوا وأعينهم تفيض من الدمع ألا يجدوا ما ينفقون)، ويقول أيضاً في سورة مريم: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبُكيًّا)، وكذلك هناك حديث مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما حزن على وفاة ابنه إبراهيم، فقال: (إن العينَ لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون). هذه المقدمة تقودنا إلى الحزن، فعندما نحزن نختفي عن الأنظار ونداري الدموع ونتكتم العبرات ونكره أن نحكي ما بنا ولو لأعز الناس إلينا، لأننا لن نحتمل نظرة الشفقة من أعينهم، أو لربما لأننا لا نريد أن نكدر صفو حياة الآخرين بالهموم. فالبعض منا يحزن عندما يفقد عزيزاً أو وظيفةً له أو بالاستغناء عن خدماته، فيحزن ناسياً أن هذه الأقدار وهذه سُنة الحياة، فلا حزنٌ يدوم فيها ولا سرورُ، فمهما كانت حاجة الناس للشمس، فهي تغيب كل يوم، دون أن يبكي أحدٌ على فراقها، لأننا نعلم بأنها ستعود، هذه هي الثقة، وهنا نحن نثق في عودة الشمس ولا نثق في قول الله تعالى: (إن مع العسر يسرا)، حتماً سيفرجها الله علينا طالما نحن واثقون من وعده. لن يكون عمرك كله ربيعاً، ستتناوب عليك الفصول الأربعة، تلفحك حرارة الخيبات، وتتجمد في صقيع الوحدة، تتساقط أحلامك اليابسة، لكن حياتك ستزهر من جديد، كثيرون ماتوا بالأمس ونحن لم نمت، وكثيرون لم يقوموا هذا الصباح ونحن قمنا، هذه ليست قوة فينا أو رغبة منا، ولكن هذه نعمة الله علينا، والحمد لله الإنسان في هذه الحياة مثل قلم الرصاص، تبريه العثرات ليكتب بخط أجمل، وهكذا حتى يفنى القلم، فلا يبقى له إلا جميل ما كتب، هذه حال الدنيا. وتحضرني قصة السيدة هاجر حين كانت تسعى وتطرق أبواباً للرزق في جهةٍ، والله كتب لها رزقاً في جهةٍ أخرى لا يخطر على بالها، كانت تريد أن تروي عطش رضيعها، فأعطاها الله بئر زمزم.