12 سبتمبر 2025

تسجيل

ثقافة الحقد

10 أغسطس 2014

هي ليست ثقافة جديدة، بل هي ثقافة ذات جذور ولا يمكن وصف "الحقد" الذي بدأنا نراه في شتى صوره على الساحة الأدبية والثقافية بالظاهرة الجديدة، فهو قائم وحاضر عبر تاريخ الإنسانية، إنما الجديد في تطوراته وأشكاله المعدلة، كما تظهرها الثقافة الغربية والعربية معا.. حيث أصبحت أقلام الحاقدين بحرا من مداد الكلمات لا ينضب ولا ينتهي، سواء على الورق أو على الشاشات التي تحتضن مختلف الأفكار والرسائل عبر مواقع التواصل التي تحولت هي الأخرى إلى ساحات للمعارك وكثر المتراشقون فيها بالثرثرة والكلام، ما يظهر لنا جليا ثقافة الحقد وضعف البنية الأخلاقية في بيئة ثقافية لم تكترث بالتربية وتهذيب الضمير الفردي. ورغم كتابات كثيرة تتحدث عن خطورة ثقافة الحقد وتراجع القيم النبيلة وتزايد النماذج الهشة التي لا تجد لذتها إلا في نهش كل من يعمل أو يسعى للبناء، فإن القضية ليست بجديدة وإنما الجديد صياغاتها القبيحة وأشكالها المحورة وألوانها الشاذة، خاصة مع ثورة الاتصالات والاختباء، لممارسة الحقد الدفين وراء صفحات مواقع كان الهدف منها التواصل الاجتماعي وليس نشر ثقافة الحقد وتعريف الناس بالحاقدين المرضى أو بصياغة أوضح لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين حين قال: "الذين لا يعملون ولا يحبون لغيرهم أن يعملوا"، وهم بالتحديد أولئك الذين يتنفسون حقدا ثم يتحدثون بجرأة تصل لحد الوقاحة في أشنع تجلياتها عن الحقد". في رواية صدرت بعنوان: "العودة للدم" -يقوم الكاتب الأمريكي توم وولف بعملية تشريح للحياة المعاصرة بالتحديد فيما يطلق تحذيرا من "خطورة الحقد الذي يكاد يتنفسه هؤلاء وبما يشكل تطورا جديدًا أو نقلة نوعية أخطر في "ثقافة الحقد". وتوقف الناقد جيمس لازدون في صحيفة الجارديان في سياق تناوله لهذا العمل الإبداعي الجديد الذي جاء في 700 صفحة عند هذه القضية أو "نفسية الحاقد"، حيث العقل المعطوب والقلب المظلم والكراهية للذات والوجود والرغبة الحارقة لإلحاق الأذى بأي شخص ناجح أو راض عن ذاته ومتصالح مع النفس وتلويثه بكل السبل. وفي الأغوار العميقة للتركيبة النفسية للحاقد، حيث ممارسات الأذى في أبشع ألوانها وأكثرها عدوانية، كما تكشفها هذه الرواية "تتبدى لعبة محاولة خداع الذات والآخر باتهام الشخص المستهدف بالأذى بأنه حاقد!". واللافت في الأعمال الإبداعية لتوم وولف أنها "تنقل الواقع عبر آليات الإبداع"، حتى أنه يجري أبحاثا ليكتب رواياته التي تتميز، كما يقول النقاد، في الصحافة الثقافية الغربية، "بنظرة ثاقبة وقوة انتباه للتفاصيل الدقيقة في الحياة". والقضية ذاتها لم تكن بعيدة عن كتاب صدر بعنوان: "في طوايا النسيان" أنطوني هوروفيتز، حيث يتحدث عن "هذا الشعور الحاد بالإفلاس الأخلاقي في هذا العالم الذي يكذب فيه البعض حتى على أنفسهم"، أما في العالم العربي فالقضية لا تقل تعقيدًا، إن لم تكن أخطر، كما تدل دراسات عديدة وخاصة في علمي النفس والاجتماع، فضلا عن التربية ومسألة التنشئة. وهنا أقول: نظرة واحدة ومرور بسيط على أغلب الصفحات العربية والخليجية بالتحديد يكفي لنقرّ بأن هناك مدرسة للحقد بدأت تكشف عن نفسها مؤخراً، بمختلف الأساليب البشعة والعالم يقرأ ويتفرج ولا حياء.