04 نوفمبر 2025

تسجيل

العيد والحرب على الحزن

10 أغسطس 2013

لو أن الفرح والابتهاج والسعادة فلسفة قائمة على الغنى والمال الوفير لبقي معظم أهل الأرض تعساء لا تغشاهم غيمة السعادة حتى لو كانت برهة أو سويعات مثلها مثل سحابة الصيف التي يضرب بها المثل في قصر مدتها.. العيد لوحة شاعرية وروحية وسراج وصل أزهر بيننا.. إنها مناسبة فلسفتها تقوم على الفرح، والفرحة في كل عيد جديدة كالورود الوليدة.. فرحة تفتح مغاليق القلوب الحزينة، فيه الكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين.. من لا يستطيع أن يفرح في العيد فإنه لن يستطيع أن يفرح في غيره.. حياة الإنسان منذ الأذل أكواخ وقصور وسفوح وقمم وتخمة وفقر.. البعض يغرق في مياه الغيث والبعض الآخر يشتهي شربة ماء وتقرقر أمعاؤه جدباً وسغباً.. الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي لام في مستهل قصيدته (الغبطة فكرة) من لا يستغل موسم العيد ليغترف من الفرح غرفة بيده ومضى يؤكد على فلسفة الفرح حيث يمكن جداً أن تستوطن الغبطة الكوخ وليس فيه مُزعة لحم أو كِسرة، يقول أبو ماضي: أقبلَ العيدُ، ولكنْ ليسَ في الناسِ المسرَّهْ لا أَرى إلاَّ وُجُوهاً كالحاتٍ مُكْفَهِرَّهْ أيّها الشاكي الليالي إنَّما الغبطةُ فِكْرَهْ ربَّما اسْتوطَنَتِ الكوخَ وما في الكوخِ كِسْرَهْ وخَلَتْ منها القصورُ العالياتُ المُشْمَخِرَّهْ تلمسُ الغصنَ المُعَرَّى فإذا في الغصنِ نُضْرَهْ كثيرٌ من الناس مفعم بالنكد والحزن حتى الثمالة، ويبقى يرسف في قيوده المصطنعة.. حتى أنه يجعل من اليأس قيدا يخنق كل أمل يغشاه.. حزن غير مبرر في نفسه دفين، كأنما يتوشّح سواد الليل حدادا.. نكدٌ وضجرٌ تظل عنقه له خاضعة، نفسه أسيرة حالة قسرية على نحوي يقول: كيف أنجو يا خالقي من نكد عارم، عاصف التوثّب ضاري.. يقولون: الإنسان مخلوق يولد باكيا ويعيش شاكيا.. أبو ماضي، مضى يقول في قصيدته المشار إليها آنفاً: وشفاهاً تحذرُ الضحكَ كأنَّ الضحكَ جمرَهْ ليسَ للقومِ حديثٌ غير شكوى مستمرَّهْ قد تساوى عندهُمْ لليأسِ نفعٌ ومضرَّهْ لا تَسَلْ ماذا عراهُمْ كلُّهم يجهل أمره العيد فلسفة لابد وأن تتأسس على ضرورة النظر في النصف الممتلئ من الكوب.. هناك بالضرورة أم تنتظر قبلة أبنائها الذين اغتربوا عنها دون جدوى، وتلك الزوجة التي تنتظر هاتف زوجها المرابط في العمل بحثا عن الرزق.. ذلك الزوج الكادح المثابر ينتظر عودة زوجته بعد أن غضبت من عدم قدرته على شراء مستلزمات العيد. ظللت أتعجب بل أتأمل في ذهابي وإيابي من العمل كل يوم ذلك (الكوخ).. (عشة) من غرفتان قوامهما مخلفات مواد البناء.. كانت (العشة) لرجل يعمل حارسا لعمارة تحت التشييد.. ذاك الرجل له قدرة فائقة على تحدي الفقر والظروف الصعبة.. في العيد كان لذلك البيت بهاءً ورونقا بديعا.. عندما عدت ليلا أو في الساعات الأولى من أول أيام العيد كانت العشة محاطة بالزينة المتلألئة الأخاذة.. الرجل صاحب (العشة) الذي يفيض تفاؤلا وغبطة وحبا للحياة أحاط عشته بأشكال وألوان بهية من الزروع، ورودا وأزهارا.. كم من أصحاب القصور الشاهقة والحسابات البنكية المتضخمة قد فشل في استدرار الفرح كما يفعل صحاب تلك العشة؟! لقد علمنا ذلك الرجل أن البحث عن الفرح لا يستدعي اللجوء لاستخدام الميتافيزيقا؛ والميتافيزيقا أو الباراسكيولوجي هو علم ما وراء الطبيعة وهو علم له احترامه وليس كما يظنه البعض مجرد خزعبلات. العيد فرصة لتجديد حسن الظن في الله وفي من حولنا حيث يطيب عيشنا.. إنه مناسبة لاعتناق الفرح بمساراته الروحية والدنيوية.. كيف لا نفرح ومع نسمات صباح العيد الأولى ترن نواقيس الأطفال وتعلو ضحكاتهم البريئة.. ليس السعيد الذي تسعده أمواله بل السعيد من يتذوق فرحة العيد التي لا تكلفنا مالا ولا رهقا.. السعداء أولئك الذين لم يسرفوا ولم يقتروا في مستلزمات العيد بل اتخذوا بين ذلك قواما.