12 سبتمبر 2025

تسجيل

الانتصار للدولة المدنية في تونس

10 يوليو 2015

إثر العملية الإرهابية التي تعرضت لها مدينة سوسة السياحية مؤخرا، واستهدفت تدمير الاقتصاد التونسي، الذي يعتمد على السياحة، وعلى الصناعات التحويلية والزراعة، ونشر البؤس في أوساط المجتمع التونسي الذي يبدو مطلوباً إفقاره، اتخذت الحكومة التونسية بزعامة السيد الحبيب الصيد العديد من الإجراءات، منها إغلاق ثمانين مسجداً بعد مجزرة سوسة. ويرى المحللون أن هذا الإجراء كان من المفروض أن تتخذه الحكومة بعد عملية متحف باردو الإرهابية، التي حصلت يوم 18مارس 2015. إقفال «المساجد غير الشرعية» خطوة جريئة ولكنها غير كافية. ففي مقدمة الأخطاء التي ارتكبت في عهد الترويكا الحاكمة سابقا، السماح للمتشددين الاستيلاء على المساجد، فضلاً عن السماح لهم بنشر أفكارهم المتطرفة في أوساط الشباب التونسي الذي يعاني من مشكلة البطالة المستشرية في كلّ المناطق التونسية. ولم يعد سرًّا أن التونسيين يشكّلون أكبر نسبة من المقاتلين الأجانب في «داعش»، أكان ذلك في سوريا أو في العراق. لم يعد شيء يمنع من انتشار «داعش» وأخواته كالنار في الهشيم في شمال إفريقيا، ما دام هناك تهاون تونسي مع المساجد التي تروّج للتطرّف والتخلّف بكلّ أشكالهما.. وما دام الوضع في ليبيا على حاله. خلال السنوات الأربع الماضية ترعرع الإرهاب وترعرع «داعش» الذي بات قادراً على التحرّك بحرية في تونس وليبيا. ولم تفعل الحكومات المتعاقبة الكثير في مجال مكافحة الإرهاب والتطرّف. ولم تفعل شيئاً في مجال العثور على قتلة الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومحاكمتهم. وكان رئيس الجمهورية السيد الباجي قائد السبسي أعلن حالة الطوارئ لثلاثين يوماً وهي خطوة ضرورية ولكنها قاصرة، وقد وجد رئيس الجمهورية نفسه مجبرا ـ حسب ما جاء في خطابه ـ على فرض حالة الطوارئ حتى يمنع الدولة من السقوط، بسبب تمادي الإرهاب وحواضنه في ضرب مكتسبات التجربة الديمقراطية الناجحة في العالم العربي، الأمر الذي كان يستوجب من كافة الأحزاب ومكونات المجتمع المدني تفهم هذا الإجراء الرئاسي من أجل درء الخطر المحدق بالدولة وضرورة دفعه والتصدي له من باب الوطنية. وفي غياب هذا الاقتناع تبقى الهوة بين الحكومة وبين بعض أطراف المعارضة عميقة ويظل همّ كل طرف أن يؤثر في الآخر ويضعفه. الأحزاب السياسية التونسية المؤمنة بمكافحة الإرهاب والتطرف، يجب عليها أن تنتصر لبناء الدولة المدنية، أي الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية. وإذا كانت تونس لا تزال قادرة على الصمود في وجه التطرّف والإرهاب وما تنشره المساجد غير المرخّص لها والمدارس التي تعلّم الصغار على العنف ورفض الآخر، فإنّ الفضل في ذلك يعود إلى ما زرعه بورقيبة في تونس، بما في ذلك حقوق المرأة التونسية. المرأة التونسية وقفت في طليعة المتصدّين للإرهاب والتطرّف، والمدافعة الأولى عن الدولة المدنية. وكانت حكومة الحبيب الصيد قد أعلنت عقب العملية الإجرامية في سوسة أنها ستشرع في اتخاذ إجراءات قانونية ضد الأحزاب والجمعيات المخالفة للدستور بما في ذلك إجراء الحل وآخر هذه القرارات منح رئاسة الحكومة مهلة لحزب التحرير من أجل تغيير قانونه الأساسي حتى يصبح مطابقا للقانون. ويشهد المجتمع المدني التونسي جدلا كبيرا حول مدى التزام الأحزاب الدينية بالدولة المدنية، بعد أن أصبحت هذه الأحزاب متهمة بأنها هي من كانت في الأساس يترعرع الإرهاب في أحضانها، خلال السنوات الماضية. لا يزال مفهوم الدولة المدنية حديث الاستعمال في الخطاب الفكري والسياسي العربي. فمفهوم الدولة المدنية طُرِحَ في سياق ما بات يُعْرَفُ بربيع الثورات العربية، للإشارة إلى رؤية جديدة لعملية الإصلاح، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم في المجتمعات العربية، التي أسقطت الديكتاتوريات العسكرية والبوليسية، التي كان قائمة.وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الدولة المدنية غير متداول في الأدبيات الغربية وليس له وجود في المعاجم والقواميس السياسية في الغرب، لذلك فإن هذا المفهوم له مضامينه الخاصة في العالم العربي حيث طرح للتعبير عن تجربة خاصة بهذه المجتمعات العربية. فما هي مرتكزات الدولة المدنية؟ الدولة المدنية يجب أن تقوم على دستور ومنظومة من القواعد التشريعية والتنفيذية، فالدستور يبلور جملة القيم والأسس التي ارتضاها أفراد المجتمع لبناء نظامه السياسي والاجتماعي. والدولة المدنية هي أيضا دولة مؤسسات، وتقوم هذه المؤسسات على مبدأ التخصص فهي تمارس أعمالها بشكل مستقل وفق ما يعرف بمبدأ فصل السلطات، بحيث تقوم كل سلطة بممارسة مهامها ضمن مجالها المحدد ولا تتجاوزه إلا في حدود ما تقتضي ضرورات التعاون والتكامل بين هذه السلطات. ومن المعالم الأساسية للدولة المدنية وجود مجتمع مدني فاعل ومؤسسات مدنية فاعلة للنهوض بمستوى الوعي السياسي لدى أفراد المجتمع والمساعدة في فهم الواقع السياسي والاجتماعي فهماً صحيحاً والمشاركة في بناء مؤسسات ديمقراطية وممارسة الرقابة عليها من خلال التنظيمات المدنية المختلفة والوسائل الإعلامية والرقابية المتاحة. فالدولة المدنية هي استعادة حقيقية لبناء الدولة الوطنية والارتقاء بها إلى دولة ديمقراطية، أي إعادة إنتاج الدولة الوطنية الحديثة، دولة الحق والقانون المعبرة عن الكلية الاجتماعية والقائمة على مبدأ المواطنة. وتشكل سيادة الشعب، العامل الحاسم في سيرورة التحول الديمقراطي في نطاق الدولة الوطنية. وتكمن المقدمة الأولى للدولة الوطنية وضمان تحولها إلى دولة ديمقراطية، في تحرر الأفراد من الروابط والعلاقات الطبيعية ما قبل الوطنية كالعشائرية، والعرقية، والمذهبية، والطائفية، واندماجهم في فضاء اجتماعي وثقافي وسياسي مشترك هو الفضاء الوطني. ولا يمكن للدولة المدنية أن تكون إلا دولة ديمقراطية التي تقوم على ما يلي: احترام حقوق الإنسان أولاً، وحقوق المواطن ثانياً، وفكرة الأكثرية الانتخابية الحرة التشكيلية، ثالثاً، وضمان التداول السلمي للسلطة على جميع المستويات وفي كافة مؤسسات الدولة.