17 سبتمبر 2025

تسجيل

الرسول واستجواب الادعاء

10 يوليو 2014

استجواب الخصوم وسيلة من خلالها يستطيع القاضي أن يستدل على الحقيقة، حيث لا يتوقع الخصم أسئلة القاضي التي ينبغي أن تكون ذكية مرتبة وموجهة تجاه فكرة يريد أن يتتبع خيط الحقيقة من خلالها، وهذا ما أصله رسول الله –صلى الله عليه وسلم في أكثر من موقف لنتعلم منه كيفية الاستجواب، ومعنا دليل على ذلك من صحيح البخاري حيث استجواب امرأة رفاعة التي أرادت أن تخلع عبد الرحمن القرظي عن عكرمة : أن رفاعة طلق امرأته فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي قالت عائشة وعليها خمار أخضر فشكت إليها وأرتها خضرة بجلدها فلما جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم- والنساء ينصر بعضهن بعضا - قالت عائشة ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات ؟ لجلدها أشد خضرة من ثوبها. قال وسمع أنها قد أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء ومعه ابنان له من غيرها قالت: والله ما لي إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه وأخذت هدبة من ثوبها فقال كذبت والله يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( فإن كان ذلك لم تحلي له أو لم تصلحي له حتى يذوق من عسيلتك ). قال وأبصر معه ابنين له فقال ( بنوك هؤلاء ). قال نعم قال ( هذا الذي تزعمين ما تزعمين فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب ). إن هذه الحادثة بها من دروس القضاء ما ينبغي التوقف عنده في النقاط الآتية: أولا: لقد ذهبت المرأة شاكية إلى السيدة عائشة رضي الله عنها، عارضة شكواها ومستدرة عطفها بما تراه من قسوة زوجها عبد الرحمن، وقد نجحت في هذه المهمة، وأدخلتها أم المؤمنين عائشة على رسول الله حتى يقضي في أمرها، ولكن النبي جمع طرفي الخصومة، وسمع ادعاء المرأة على زوجها الثاني، وأبطل ادعاءها بما رآه من دليل مادي حيث إنها ادعت عليه عدم القدرة على معاشرة النساء، وهو سبب قد يجعل لها الحق في طلب الخلع، ولكن لما أبطل النبي ادعاءها، وأن زوجها قادر على معاشرتها، بدليل أن له ابنين من غيرها، حينها جاء الزوج ليقول في رواية أخرى: (إني لأنفضها نفض الأديم) كناية عن قوته. ثانيا: وإذًا فقد بطلت حجة المرأة من خلال استجواب عبد الرحمن زوجها، وما عليها إلا أن تظهر نواياها من شكواها، في حبها أن ترجع لزوجها الأول، ولكن كان قضاء رسول الله: "حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها". ثالثا: وفي قصة هذا المجلس احتراز لا بد منه، فيجب أن يكون الزوج الثاني راغبا في المرأة قاصدا لدوام عشرتها، مما هو القصد الصحيح للزواج. وأن يكون الفراق طبيعيا من موت أو طلاق طبيعي، أما إذا تزوجها ودخل بها قاصدا تحليلها للزوج الأول أو كان ذلك مفهوما من واقع الحال- فإن هذا هو المحلل الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن المحلَّل له. وكان نكاح هذا الثاني باطلا لا تحل به المعاشرة. وأورد ابن كثير في تحريم المحلل عدة أحاديث عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- فقال: "عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إن العسيلة الجماع" فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحلها للأول، فهذا هو المحلل الذي وردت الأحاديث بذمه ولعنه، ومتى صرح بمقصوده في العقد بطل النكاح عند جمهور الأئمة. وعن عبد الله بن مسعود قال: آكل الربا وموكله، وشاهداه وكاتبه إذا علموا به، والواصلة، والمستوصلة، ولاوي الصدقة، والمتعدي فيها، والمرتد على عقبيه إعراضا بعد هجرته، والمحلِّل والمحلَّل له، ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. وقال عقبة بن عامر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ " قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "هو المحلِّل، لعن الله المحلل والمحلل له".