16 سبتمبر 2025
تسجيل** في ظل التصعيد الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس، بالاعتداء على المواطنين وتجريف القدرات اللوجيستية والمجتمعية للمقاومة، وباعتقال النشطاء والرموز، وفي غزة بالعدوان الدموي والاستهداف الممنهج، وبهياج الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في الرد على ذلك.. في هذه الأثناء تقع مناقشات بين المحللين والمراقبين حول إمكانية وواقعية انطلاق الانتفاضة الثالثة.. ** أما الذين لا يتوقعون الانتفاضة فمنهم من يستدل بأن عدوانات 2008 – 2009 ، و2012 لم تؤد إلى انتفاضة، وهو قياس أراه في غير محله؛ وأرى هذا الفريق يغفل عن جملة محددات تجعل الحال ليس كالحال والسياق لا كالسياق .. وبعض آخر منهم لا يتوقعون الانتفاضة، لأن ولاءهم كما يُلمح من استدلالاتهم للسلطة؛ وهم يرددون مقولاتها على أنها أدلة وتحليلات والحقيقة أن ما يقولونه رغائبي أمنياتي ونوع من التوجيه والترويج على الرأي العام.. وأقول:** لماذا لا تكون الانتفاضة الثالثة واقعة أو متوقعة والشعب الفلسطيني من أوائل الشعوب الني انتفضت على واقعها، وسطرت أمجادا تاريخية في منافحة ومجاهدة أسوأ احتلال إحلالي كولونيالي وقدمت في ذلك عشرات آلاف الشهداء لأكثر من مائة عام؟ وهل الشعب الفلسطيني أقل كرامة ووطنية وأخلاقية من الشعب السوري مثلا أو المصري أو الليبي أو اليمني الذين يقدمون آلاف الشهداء والمعتقلين والمفقودين والمهجرين.. فكيف إذا كانت قضيته أوضح من كل القضايا، والمحرضات فيها أقوى من كل محرضات في سواها؟** ولماذا لا تكون الانتفاضة الثالثة واقعة أو متوقعة عندما تختنق الحالة السياسية كالذي يحدث في فلسطين اليوم، فعملية التسوية ومفاوضاتها لم تسفر لتسعة أشهر ومن قبل لثلاثين سنة إلا عن الفشل المطلق المتراكم مع ضغوط سوء الحالة الاقتصادية والأمنية وحملات التهويد وجرائم الاستيطان والاعتداء على القدس.. ذلك هو المتغير السياسي والدافع الوطني الذي يبرر انطلاق الانتفاضة ويسوّغ تقبل الشعب لسقوط الشهداء وتسجيل التضحيات.. وبالرجوع لخبرات الماضي فإن مثل هذا الاختناق هو الذي هيأ للانتفاضة الأولى بعد أن فشلت مساعي ما كان يسمى "المؤتمر الدولي للسلام" وهو الذي أطلق الانتفاضة الثانية بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثاني سنة 2000.** ولماذا لا تكون الانتفاضة الثالثة واقعة أو متوقعة عندما يفقد الشعب ثقته بقدرة وبإرادة قيادته على نصرته والدفاع عنه، وعندما تسقط قيمة هذه القيادة الوجاهية والتفويضية وهو يراها "لا ترد يد لامس" ولا تفعل الممكن، مجرد الممكن، وعندما يسمع رئيسها يعترف بأنه ساعد على هدم الأنفاق وتشديد الحصار على غزة، وعندما يراها تمارس التنسيق المخابراتي ضد شعبها وثورته بل وتعتبره مقدسا، وعندما يجدها تتعهد لأمريكا والكيان الاحتلالي بمنع الانتفاضة الثالثة، وعندما يراها تعتدي في سياق ذلك على المسيرات الشعبية، ويراها تقدّم حساباتها الشخصية والفئوية على الوطنية التي يفترض أنها تمثلها.. صحيح أن هذه الموبقات السياسية والطامات الوطنية والأخلاقية كانت موجودة دائما أو تحضر وتغيب في سلوك هذه القيادة وسلطتها وأجهزتها؛ إلا أنها اليوم متجمعة ومتراكمة ومتراكبة على غير مثال ما سبق، والأخطر أنها تأتي في ظل فقدان رؤية إستراتيجية وعجز سياسي مطلق وضيق وانعدام كل هوامش المناورة.. مثل فقدان الثقة هذا حدث قبيل الانتفاضة الأولى بعد أن خرجت القيادة ولحمة الثورة من لبنان وتشتتت في الأصقاع والبلدان وانشغلت بالتجارة والزراعة والانحيازات الجهوية، ومثله حدث أيضا قبيل الانتفاضة الثانية بعد دخول السلطة حالة اللاشرعية بانتهاء فترة الخمس سنوات الانتقالية، وبدخولها مرحلة اللافعل.**ولماذا أيضا لا تكون الانتفاضة الثالثة متوقعة بعد 14 سنة من الانتفاضة الثانية، وبعد بروز جيل جديد يرى نفسه قادرا على التغيير ومعنيا به، ويرى قيادته وفق واقع حالها بعيدا عن صورة الثويات المزعومة التي استنفذت أرصدتها، ولماذا يتوقع أحد أن هذا الجيل يمكن أن يقبل ما ارتخى له الجيل الذي سبقه.. ومثل هذا المتغير بين جيلين برز قبيل الانتفاضة الأولى بعد 20 سنة من انطلاق الثورة، وبرز مرة أخرى قبيل الانتفاضة الثانية بعد 13 سنة من الانتفاضة الأولى، وهي فترات كافية لإعادة تشكيل القناعات والوجدان الثوري. آخر القول: إن لم تكن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة قد بدأت بالفعل فإننا بصددها، أما القول باستحالة انطلاقها فلا منطق له إلا الترويج لأمنيات البعض؛ فإن انطلقت وهذه حتمية قد تكون قريبة فستنطلق هذه المرة باتجاه التحرير، ولن تسوق أو تلفلف كالسابقتين، لأن الشعب الفلسطيني قد خبر نوعية عدوه وعرف مواطن عجز سلطته واكتشف ألاعيبهم ونصبهم.