13 سبتمبر 2025

تسجيل

الغول والعنقاء والديمقراطية

10 يوليو 2013

الرسالة المباشرة التي حملها الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب في مصر للإسلاميين، أن الديمقراطية ليست سوى واحدة من الخرافات التي لا وجود لها وتحديدا عندما تأتي بهم إلى مواقع الحكم، وأنها ليست مرادفة لا للصناديق ولا لاحترام القانون والدستور، وليست مرادفة لمدنية الحكم أو احترام التعددية، وإنما هي مجرد ثوب زور يتفاخر به المدعون، عن غير إيمان ولا اقتناع. ففي مشهد حتما سوف يسجله التاريخ مشفوعا بعبارات الإدانة، تحالفت الدولة العميقة، بكافة مؤسساتها الأمنية والإعلامية، مع المعارضة العلمانية (الليبرالية واليسارية)، مع القوى التي تصف نفسها بالثورية، للإطاحة بالحكم المدني المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر، واستبدلته بحكم سلطوي، وذلك في انقلاب ناعم نفذه العسكر تحت زعم الاستجابة لصوت "الشعب العظيم" الذي خرج في مظاهرات 30 يونيو، وكأن المنتمين إلى التيار الإسلامي، الذين يدعمون الرئيس المعزول، ليسوا جزءا من هذا الشعب العظيم. ليس هذا فحسب ولكن تلت ذلك عملية اعتقال منظمة لرموز التيار الإسلامي وقياداته، كما تم إغلاق جميع القنوات التابعة لهذا التيار، وذلك من دون أي تحفظ أو استدراك من قبل القوى الليبرالية، والتي اصطفت في خنوع خلف العسكر واحتمت في ظل سلاحهم. هذا الانقلاب أظهر أن الرئيس المنتمي إلى جماعة دينية، وإن لم يعكس هو وجماعته الوجه الأمثل للإسلام السياسي، كان أكثر إيمانا بالديمقراطية من خصومه، فعلى مدار عام كامل قضاه في الحكم لم يغلق صحيفة ولم يوقف بث قناة فضائية ولم يعتقل أي معارض. وظل على تشبثه بالنظام الديمقراطي رغم العقبات الجمة التي وضعت في طريقه. فقد كان مطلوبا منه أن يرضي خصومه قبل مؤيديه، وأن يقدم حلولاً لكل مشكلات العهد السابق على حكمه في أشهر قليلة، وأن يواجه إعلاما لا يرضى منه بأي مبادرة، وأن يواجه محكمة دستورية تخطئ كل قراراته بل وتحل البرلمان الذي يضم الكتلة السياسية التي يعتمد عليها، وأن يواجه معارضة قبل الكثير من فصائلها أن يتحالف مع الفلول بغرض إسقاطه، وأن يحقق الأمن من دون استخدام للقوة، وأن يبني نظاما جديد من دون المساس بالنظام القديم، وأن يحقق إنجازات ثورية من دون أن ينتهك القانون الذي يشرف على تفعيله رجال النظام الذي قامت ضده الثورة. ورغم كل ذلك تشبث الدكتور مرسي بالديمقراطية ولم يساوم عليها، واعتبر أن شرعيته الدستورية هي رأسماله الأساسي، وانتقل بسرعة من منطق الثورة إلى منطق الدولة، وقرر التصالح مع مؤسسات الدولة العميقة، ودخل في هدنة غير مشروطة مع أجهزة الأمن المتربصة، والتي كانت لا تخفي قناعتها بأن حكمه أمر مؤقت. إلا أن هذه الروح المتسامحة هي بالضبط ما تسببت في تعثره، وأدت بالكثير من الناس إلى الخروج ضده في الثلاثين من يونيو، يطالبون العسكر بالضغط عليه من أجل إجراء انتخابات مبكرة، فإذا بالأخيرين يزايدون على ما أراده الناس ويقدمون خارطة طريق انقلابية، تعزل الرئيس، وتحل مجلس الشورى، وتعطل الدستور، وتنصب رئيسا جديدا للبلاد يؤدي القسم على دستور معطل، في إطار من الكوميديا السوداء، المتشبثة بأهداب ديمقراطية مزيفة. إن الأخطاء التي رصدتها المعارضة كمبرر للانقلاب على نظام الدكتور مرسي (مثل أخونة العديد من المناصب، وعدم انفتاحه على القوى السياسية الأخرى بالقدر الكافي) كانت في مجملها أخطاء سياسية، يمكن التعامل معها من خلال نهج سياسي، وليس من خلال نهج انقلابي يعيد البلاد إلى نقطة الصفر ويعيد فلول النظام القديم إلى واجهة المشهد السياسي، ويعترف للعسكر بأنهم الحكم بين الفصائل السياسية حين تنازعها، فيعطيهم بذلك صكا على بياض للتدخل في الشأن السياسي وقتما شاءوا، ناسفا أسس الديمقراطية التي كانوا يتشدقون بها. لقد كان الكثير من الإسلاميين متشككين إزاء الفكرة الديمقراطية، وكان مناخ الاستبداد الذي اتسمت به أنظمة الحكم السابقة على ثورة يناير معوقا لمشاركة المقتنعين منهم بها على اعتبار أن سياسة التزوير والإقصاء كانت هي الغالبة. حتى جاءت ثورة يناير السلمية، فأشاعت أجواء من التفاؤل بإمكانية التعبير الحر عن الرأي، الأمر الذي تعاطى معه الإسلاميون بإيجابية، فانخرطوا في إطار العملية السياسية، وقبلوا بالتحاكم إلى قواعد اللعبة الديمقراطية. إلا أن نجاح الإسلاميين في هذه التجربة قوبل بحرب مستمرة، استخدمت في إطارها كافة الوسائل لعرقلة صعودهم، فاستخدمت أسلحة الإعلام وبيروقراطية الدولة العميقة، وصولاً إلى حد استجداء الخارج من أجل وضع حد لهذا الصعود. قبل أن ينتهي المشهد باستدعاء المؤسسة العسكرية لتكتب شهادة وفاة الديمقراطية في مصر، ولتؤكد زيف الاتهامات التي كانت تصف الإسلاميين بأنهم أعداء للديمقراطية وأنهم إذا ما نجحوا في الفوز بالحكم سوف يستبدون به ولن يتركوه، اتضح من خلال الانقلاب أن عكس ذلك هو الصحيح، فالآخرون هم من لا يقبلون الإسلاميين ولا يطيقون وجودهم في السلطة. فهل يحق الآن للإسلاميين الكفر بالديمقراطية وإزالتها من قاموسهم السياسي، بعد أن انهارت أصنام التعددية، واحترام الرأي الآخر، وأصبحت مجرد شعارات خالية من المضمون، وهل يحق لهم أيضا أن تتعمق عقدتهم تجاه الغرب الذي يروج للديمقراطية فيما يسارع بالاعتراف بالانقلابات العسكرية وما يتبعها من انتهاكات للحقوق والحريات. ومن ناحية أكثر سوءا هل يمكن استبعاد فكرة أن يؤدي الإحساس بالظلم ببعض فصائل الإسلام السياسي إلى استئناف نهجها العنيف الذي لم تكد تبرأ منه؟