05 أكتوبر 2025
تسجيلهنالك تغيرات كبيرة في قيادة الاقتصاد العالمي منذ سنة 1960 وحتى سنة 2000، كانت الولايات المتحدة هي القائدة وأسهمت بما بين 27% و36% في التقدم الاقتصادي العالمي. كانت اليابان في المرتبة الثانية حتى سنة 1990 مساهمة بما بين 18% و24% تبعا للسنوات المحددة. حلت الصين مكان اليابان في المركز الثاني في فترة 1990 \ 2000 بسبب النهوض الذي عرفته وأيضا بسبب السقوط الاقتصادي الياباني أو ما يعرف ب"العقد الضائع". منذ سنة 2000، تقود الصين الاقتصاد العالمي في مساهمات النمو أو تشكل المحرك الأول له وما زالت. بينما كانت ألمانيا المحرك الاقتصادي العالمي الثالث حتى سنة 1990، أصبحت الهند اليوم في هذا المركز وهي مرشحة للعب دور اقتصادي عالمي أكبر. للمقارنة المفيدة والمعبرة، في فترة 1960 \ 1970، كانت الدول الخمسة الأولى القائدة للنمو العالمي هي الولايات المتحدة اليابان ألمانيا فرنسا وإيطاليا. منذ سنة 2000، أصبح الترتيب كما يلي: الصين، الولايات المتحدة، الهند، اليابان والبرازيل أي معظمها من العالم الناشئ. لا شك أن الاقتصاد العالمي تغير في مراكز قوته ولن يكون هنالك رجوع إلى الوراء. لم يعد التكتل الاقتصادي العالمي الأهم مجموعة الخمسة أو السبعة أو الثمانية، بل أصبحت مجموعة العشرين G20 هي الرائدة والمقررة لكل ما يرتبط بالاقتصاد الدولي وقواعده والرقابة والتنسيق. سرع الركود الاقتصادي العالمي هذا الانتقال التاريخي لمصلحة العالم الناشئ والنامي على أن يستفيد منه لمحاربة الفقر وتصغير فجوة الدخل وتثبيت الاستقرار. هذه فرصة كبيرة لمجموعة الدول النامية والناشئة لتعزيز نفوذها في قيادة الاقتصاد والمؤسسات الدولية، بحيث تكون كلمتها مسموعة أكثر بكثير من قبل. ما هي العوامل التي سببت هذه التغيرات الكبيرة ليس فقط خلال القرن الماضي وإنما عبر التاريخ؟ ما يحصل اليوم ليس فريدا من نوعه، إذ إن الاقتصاد العالمي تغير مرارا لكن السرعة هي التي تميز أوقاتنا الحالية. أولا: في القرنين السابع والثامن عشر، كانت الهند والصين تسهمان في نصف الإنتاج العالمي. السبب واضح ويعود إلى أن عامل الإنتاج الأساسي في ذلك الوقت كانت اليد العاملة، وهاتان الدولتان مميزتان بالأعداد الكبيرة المتوافرة. كانت الاقتصادات زراعية وحرفية ولم يكن للتكنولوجيا أي قيمة، وبالتالي كل النماذج الاقتصادية العلمية التي ظهرت في تلك الحقبة ركزت على إنتاجية العامل فقط كمصدر للتقدم. ثانيا: حصل التغيير مع الثورة الصناعية حيث أصبح للتكنولوجيا أهمية كبرى في رفع الإنتاجية وبالتالي النمو الاقتصادي العام. تطورت آليات الإنتاج كما انخفضت تكلفة النقل بنسب لم يشهدها التاريخ من قبل. تدنت تكلفة الاتصالات فيما بعد، مما أسس لما يعرف بالعولمة. أسهمت التكنولوجيا في تقصير المسافات ورفع الإنتاجية، فارتفعت التحديات كما الفرص. سمح هذا الواقع للدول التي اعتمدت التكنولوجيا الجديدة، مهما كان حجمها الجغرافي والسكاني، أن تتقدم على الدول الكبيرة لأن أهمية ودور عوامل الإنتاج تغيرت بشكل كبير وربما نهائي. ثالثا: تبعا للاقتصادي "فاردوست"، هنالك عامل التجارة الدولية الذي أضاف إلى شروط النمو. لم يعد ممكنا تحقيق الازدهار من دون الاستيراد والتصدير. فهم العالم أن الانغلاق مضر ومسيء للنمو والفقراء وليس هنالك أي مصلحة في اعتماده. فهم العالم أن تنشيط التجارة الدولية يعزز الاستهلاك العالمي وبالتالي الرفاهية الشعبية التي هي أساس الاستقرار والسلام. لم تتعزز التجارة الدولية إلا بفضل التطور التكنولوجي الذي خفض تكلفة نقل السلع داخل وعبر القارات. لم تتطور تجارة الخدمات إلا فيما بعد مع تطور العلوم والحاجات في المصارف والتأمين والعلوم وغيرها. لم تتطور حركة رؤوس الأموال عبر القارات إلا في القرن الماضي، ففاقت سرعة تطور تجارة السلع لتخلق مشاكل كبيرة ظهرت جليا في فترة الركود العالمي المستمرة منذ سنة 2008. رابعا: سمحت أجواء الاستقرارين السياسي والأمني النسبي في أوروبا في تعزيز عمليات البحث والتطوير مما سمح بتحقيق الاكتشافات العلمية المتعددة في ذلك الوقت خاصة في بريطانيا وثم ألمانيا. كما بدأت المؤسسات الأوروبية في تقوية ركائزها وأصبحت مقبولة ومدعومة أكثر من الشعب فترسخ الاستقرار. خامسا: إذا كانت التكنولوجيا مصدر النمو، هذا يعزز فرص الدول الفقيرة في تحسين أوضاعها إذا استوردت التكنولوجيا الجديدة واعتمدتها بدقة وذكاء في شركاتها ومؤسساتها. ليست كل التكنولوجيا الخارجية صالحة للاستعمال في الداخل، إذ على الدول المستوردة أن تعدلها أو تعيد تصميمها بحيث تعزز الفوائد وتعممها. استمرار فترة "الركود الكبير" في العالم الغربي يدعو إلى خلق مراكز نمو جديدة تدفع الاقتصاد الدولي إلى الأمام. المرشحون للعب هذا الدور العالمي الكبير ليسوا كثيرين وموجودون في العالم الناشئ والنامي مما يدعو إلى التفاؤل بشأن فرص القضاء على الفقر وتحسين مستوى معيشة هذه الشعوب. كي تنجح هذه الدول في دورها الجديد لا بد من أن تطور البحث والتطوير داخلها وتخفف قدر الإمكان الاستيراد التكنولوجي. فالدول التي تخلق وتطور التكنولوجيا تستفيد أكثر من تلك المستوردة لها فقط. لابد من خلق مناخ مناسب للبحث والتطوير .