16 سبتمبر 2025

تسجيل

انطباعات حول الدراما الرمضانية

10 يونيو 2020

منذ سنوات عدة تعيش معظم المحطات التلفزيونية في بيات شتوي طويل وتهب فجأة من رقادها لتدرك ليالي شهر رمضان. تتنافس كل المحطات في تسلية الصائم وكأنما فضائل هذا الشهر محددة بالدراما وبرامج التسلية والكاميرا الخفية. الأمر في هذا الموسم قد اختلف شكلاً ومضموناً لماذا؟ لأن الكائن البشري وعبر كل القارات قد اسلم القيادة للوباء المسمى هذا المرة "كورونا" هذا الوباء قد اوقف حركة الكون. بدءاً بالطيران التجاري وصولاً بالهلع والوباء اللذين يحصدان الارواح. والاميز أن هذا الوباء لم يضع حداً فاصلاً بين الدول الكبرى والثرية والدول الفقيرة. ولكن تأثير الوباء على الامة العربية تأثير مبالغ. فالشهر الفضيل كراماته بدءاً بامتلاء المساجد بالمصلين وبخاصة صلاة التراويح والسهرات الليلية وبخاصة ما نطلق عليه "الغبقات الرمضانية" وهذا ما تمثل في صور الحزن والألم، والأمر ان لشهر رمضان طقوسا أخرى مثل زيارة بيت الله الحرام. وكأنما الحصار الجائر على وطن الشمس تجسد في كل بلاد المسلمين ولم نكن نحن ابناء وطن الشمس المحرومين من زيارة بيت الله الحرام. من هنا فإن ايام وليالي الشهر الفضيل كانت نسخة من الكربون. صيام ومن ثم الاستسلام للاحفاد. خاصة وان الخروج او الاجتماع بالآخر محفوف بالمحاذير. هنا لم يكن امام الفرد سوى الانزواء في ركن من منزله. وان يضع ذاته في الاماسي تحت امرة الدراما التلفزيونية. ولقد سبق ليالي وايام الشهر الفضيل لغط حول مسلسل انتج عبر شركة خليجية تطرح مضموناً تحمل اهدافا وغايات. ذلك ان هذا النموذج مع الاسف لا يشكل قيمة فكرية أو فنية أو ثقافية. مجرد نموذج عاش هنا ورحل دون ان يترك أي أثر. ان ام جان أو ام هارون نموذج هش ولكن الآن نحن في عصر آخر. عصر الغاية تبرر الوسيلة. ذلك ان الدراما فيما مضى قدمت عيون الادب العربي وتاريخ العظماء والقادة وحتى الفنانات والائمة والخلفاء ولكن الآن جاء دور النماذج الأخرى. والحقيقة عبر هذا الانطباع السريع لا يمكن النبش في النيات والاهداف. كان هذا النموذج دليلاً واقعياً ان الناتج الاجمالي ليس في صالح الدراما العربية. وانا اتحدث عن الاعمال القليلة التي شاهدتها. بلا شك ان هناك من عاش مع احداث الاعمال الأخرى وهكذا اصبح المواطن القطري واقعاً بين كماشة اكثر من حصار. حصار الجيران منذ اكثر من سنوات ثلاث وحصار الداء العضال "كورونا" وحصار دراما تحمل مضامين واهدافا وغايات. في مسلسل "ام هارون" كان هناك خلط للاوراق. ولكن اتوقف امام نجوم اللعبة مثل النجمة حياة الفهد بتاريخها الفني الطويل وعبدالمحسن النمر بجانب فاطمة الصفي واحمد الجسمي كل نجم يحمل فوق كاهله سنوات من الخبرة والعطاء في ايصال النموذج الى المتلقي. مع ان القاسم المشترك في معظم ما شاهدت المحور الاساسي قضايا الميراث والسرقات. فهذا العم احمد الجسمي يسرق ابن شقيقه المتوفى. وفي الدراما القطرية "العمر مرة" تتكرر قضايا السرقة. ذات يوم قدمت قطر اعمالاً ابداعية. وهذا ليس انتقاصاً من قيمة الدراما الاجتماعية والكاتب طالب الدوس. ولكن انا احلم ان يتم تقديم روايات عبدالعزيز المحمود أو رواية محمد علي عبدالله. على سبيل المثال لا الحصر اتصال بين ما كان وما هو كائن الآن. مجرد فكرة في "العمر مرة" اضافات للدراما عبر عدة محاور. بدءاً بالمخرج الذكي الذي استطاع بذكاء ان يأسر المتلقي. لقطات سريعة والانتقال الذكي للمشاهد. وتقديم وجوه جديدة ونفض الغبار عن وجوه غابت وعادت لتؤكد ان الناتج القطري بألف خير حتى لو حاولت نعم حاولت جهة رسمية ان تلغي من الذاكرة دور المركز المسرحي الذي كان رافداً للحراك الفني في اطاري المسرح والدراما والموسيقى. فعاد الى التألق نجوم هذا الجيل وابرزهم مشعل الدوسري، حسن ابراهيم، فيصل رشيد، عبدالحميد الشرشني، عبدالله البكري، اما نجمات المستقبل فحدث ولا حرج من امثال خلود العمادي، زينب، سماح، يارا، وغيرهن. بجانب الفنانة مريم فهد بأدائها الطبيعي. والفضل يعود بلا شك لمن صاغ الحوار وخلق المواقف والمخرج الذي ساهم في اعطاء كل فنان حقه وساهم في ابراز طاقاتهم ونتوقف امام الصديق جبر فياض. اعتقد ان هذا الدور تأكيد لامكانياته في اداء دور المحامي النصاب وما اكثرهم في المجتمع القطري من الجنسيات العربية الذين يبيعون الوهم للمواطن القطري وباعوا ضمائرهم وهم يعبرون الحدود الى قطر. في "العمر مرة" مباراة بحق بين ضيوف الشرف ونجوم اللعبة الصديق علي ميرزا محمود والجندي الذي على اهبة الاستعداد دوماً "محمد حسن المحمدي" بجانب الفنان احمد عفيف، خالد خميس، سالم العلوي. وغيرهم. وكان هذا المسلسل فرصة أخرى لمسار الدراما عبر التلفزيون القطري. وكأنما كان الجميع في انتظار هذا العمل كي تفجر طاقات خلاقة بين الهواه والجيل القديم من خلال تجارب العديد من الاعمال مثل النجمة اسمهان توفيق والنجم صلاح الملا.. كان الحب ولا شك جزءاً من نجاح هذا العمل. اما عن ناصر محمد فقد اكد انه ممثل يستطيع ان يلعب كل الادوار بذات الاجادة بين التراجيديا والكوميديا ولم يقل عنه شقيقه تميزاً واعني محمد انور الذي تصدى لاكثر من محور. كل هذا قد ساهم بلا شك في نجاح العمل وفي ايصال احلام نجوم هذا العصر الى اقصى الغايات من خلال مخرج يعرف امكانيات كل فنان. همسة في اذن ابنائنا اياكم والغرور، وللأخ مبارك العوامي قد فتحت الابواب. والمهمة صعبة ولكن بعزيمة الرجال سوف تتحقق كل الاحلام. نعم عبر تجارب الرعيل الاول واندفاع وحماس الشباب. واعتذر لمن عبر ذات يوم ان النقد غائب أو مغيب ارجو ان يدلنا على مجلة تغطي أو تعطي مساحة للنقد الموضوعي الذي تلقينا اصوله في المعاهد. مجرد همسة.. القلم والفكر والورق متوفر ولذا فإننا نأمل ان يدلنا على أو يمنحنا مساحة في أي مجال!. كالعادة.. يطل محمد رمضان.. "نمبر ون".. كما يدعي عشاق الدراما انه صورة للاميركي ستالوني وفان دام. واطار للفنانين الهنود مثل اميتابتشان. الموضوع الميراث. والنهاية انتصاره على كل الاشرار اشقائه. انه رامبو مصري بحق. التحولات في نموذجه الخير. والذي يدفع الثمن لمن يعتدي عليه. كان البطل الحقيقي في "برنس رضوان" النجم احمد زاهر. وكانت البطلة روجينا. هذا ليس انتقاصاً من بقية فريق العمل. وكالعادة ينتصر الخير ويتزوج البطل من حبيبته نور اما الاسوأ فكان "فلانتينو" ولكن ماذا يهم ؟ لان ابنه المنتج والمخرج وقيل ان النجم الذي كان غائباً عن الحضور قد حصد ثلاثين نعم.. هذا المبلغ بالملايين. كان عادل امام مجرد اسم للتسويق. اما عن حضوره فكان شبحاً لنجم اضحكنا سنوات وسنوات. ولكن العمل قدم نجماً سيكون له حضوره وهو "حمدي المرغني" والفنانة داليا البحيري. وهكذا في هذا الموسم الرمضاني بلع المتلقي وهو مأسور بين جدران منزله. بين عمل درامي متوسط وآخر لا علاقة له بالكوميديا أو حتى التراجيديا وقياساً كان العمل القطري مقارنة بالاعمال الأخرى علاقة مميزة. فمثلاً "ام هارون" عمل تبشيري وذو اهداف وغايات وكأنما يقال "التطبيع قادم لا محالة" وكأنما التاريخ العربي وفي كل المجالات قد خلا من الاعلام. لماذا لا نقدم مثلاً ابن رشد والذي يعتبر واحداً من أهم المفكرين العرب؟ وهل العمل الذي قدمه "ناصر القصبي" وتم تجميده عند الحلقة (20) اضاف لتاريخه. ان ناصر القصبي كان ظلاً باهتاً لناصر والسدحان وسنوات من العطاء. ولكن هذه حال الدنيا. لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك. نعم كثيرون تنازلوا عن تاريخهم وتحولوا إلى هوامش. في سنوات ما قبل الرحيل. وناصر القصبي واحد منهم خاصة وقد كان المشرف العام!. اما آخر الاثامي. فكان "رامز مجنون رسمي" رامز ليس مجنوناً ولكن خارق الذكاء. لانه في كل موسم رمضان يضحك علينا. قد يقول قائل وانت تدعي انك عاقل فلماذا كنت تشاهد حلقاته؟ اقول مجبر اخاك لا بطل، نعم مجبر. فالاحفاد وما ادراك ما سيطرتهم، كانوا يجبرونني ان اكون في ركبهم. ولقد كنت احزن عندما اشاهد نماذج تسقط في بئر الدولار! ان فنانة في حجم "نبيلة عبيد". وافقت على المشاركة مع الاسف في احدى الحلقات. قد يقول قائل ان السيناريو والحوار متفق عليه. اقول نعم ولكن هل يمحو احدهم تاريخهم بثمن بخس! واخيراً اقول: هذه انطباعات سريعة حول مشاهداتي. قد يكون عبر عشرات القنوات في الشرق والغرب اعمال اقيم مما شاهدت. ولكن كان لزاماً ان اختار نماذج مختلفة من انتاج الدراما المحلية والخليجية والعربية. وان انجرف الى اعمال دون المستوى. والمقارنة ظالمة ايضاً لأن هذا الموسم بخلاف كل المواسم، كان البطل الاوحد والمسلسل الانجح هذا الوباء "كورونا" الذي غلف ايامنا وما زال يغلفها بما لا نعلم. اللهم ارفع هذا الوباء عن البشرية جمعاء، كل عام وانتم بألف خير، وفي انتظار مسلسل يشدّ الانتباه مثل "العمر مرة". وكاتب متميز اسمه طالب الدوس ومخرج يعرف ماذا وكيف يقدم ابطاله اسمه عمار رضوان. واداري يخطو بثبات في سبيل تأكيد دور وأهمية الدراما القطرية اسمه مبارك العوامي، وجيل ينتظر الفرصة لتفجير طاقاته الإبداعية.