14 سبتمبر 2025

تسجيل

البرامج الانتخابية للكيانات السياسية العراقية

10 يونيو 2018

السياسة هي نشاط إنساني مجتمعي، تعني (السلطة، الدولة) لكن من منطلقات متباينة. فالسياسة هي إما فن الحكم، أو هي صراع على الحكم، فالسياسة لدى قدماء اليونان مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو تتمحور على: إنها كل ما يتعلق بفن حكم الدولة وإدارة علاقاتها وعلائقها. أما الاتجاه الثاني البراغماتي فقد ذهب إلى أن السياسة هي الكفاح للحصول على السلطة. فتروتسكي عرفها على أنها: "النشاط الاجتماعي المرتبط على نحو وثيق بالكفاح من أجل السلطة". ومكيافيلي عرفها على أنها: "فن الإبقاء على السلطة وتوحيدها في قبضة الحكام بصرف النظر عن الوسيلة التي تحقق ذلك". وكذلك من الممكن القول، إن السياسة أيضا هي النفوذ وهي فن إداري، ذات اتجاهين، فهي إما مجرد صراع من أجل السلطة، تعود ثمارها لصالح مريديها، أو هي السعي لتولي هذه السلطة من أجل تلبية حاجات المجتمع أي تعتبر أداة فعالة لتحقيق الخير العام وإدارة كل ما يعود للشؤون العامة، من خلال الممارسة السياسية للسلطة، وفي ظل الأنظمة الديمقراطية، تكون آلية تداول السلطة -الحكم- سلمياً ووفق قيم ومبادئ الديمقراطية (الانتخابات).  ومن المفترض أن يكون للبرامج الانتخابية الدور المهم في ترجيح كفة هذه القوى أو تلك للفوز في السلطة عن طريق الانتخابات، لأنها تعبر (البرامج الانتخابية) عن الاتجاهات السياسية للقوى والأحزاب السياسية المتنافسة على السلطة. هل اتجاهها هو اتجاه (حاكم أم خادم)؟. يفترض بالبرامج الانتخابية أن توازي متطلبات الواقع الاجتماعي وتراكيبه المتعارضة والمتنافسة. إذ إن الأمر الحاسم في العلاقة بين الكتل السياسية المتنافسة والناخبين هو البرامج الانتخابية، فهي الوسيلة الأهم في العمل السياسي في ظل التحول الديمقراطي، لكونها من أهم الآليات التي تتبعها الكيانات والأحزاب للتعريف بفكرها وتوجهاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي العامل الحاسم في كسب أصوات الناخبين. من خلال ما قدمته الأحزاب السياسية في برامجها الانتخابية الذي تُعرف به في أجنداتها الإعلامية من رؤى سياسية واجتماعية واقتصادية، نرى أن ما يمكن أن يؤخذ على هذه البرامج: أنها تتسم بالعمومية والتركيز على الخطوط العريضة للوعود دون الدخول في تفاصيلها وآليات تنفيذها، كما أنها مطولة تعالج كل المتطلبات التي يأمل الناخب الحصول عليها.  فمثلا الأحزاب في الديمقراطيات الغربية تجد برامجها الانتخابية مختصرة بصفحة أو صفحتين وتختص بموضوع أو اثنين، في حين برامج أحزابنا توضع في كتب ومجلدات توضح عهود الأحزاب إزاء الناخب، وهذا يفسر تهرب الأحزاب من المسؤولية في حالة تعثرها في تنفيذ برامجها فيما لو وصلت إلى الحكم. على الرغم من تحديد هذه الآليات واختصار البرامج يمكن أن يجعل من البرامج أكثر واقعية وأقرب لفهم الناخب وإقناعه بجدوى الوعود وابتعاده عن أن يكون مجرد سرد لمجموعة من الشعارات المملة.  فالتعهد بالإصلاح الدستوري والحكومي والبرلماني وتحقيق الأمن والسيادة والخدمات، يجب أن تكون ممكنة التحقيق والتطبيق، لأن البرامج الانتخابية والكيفية التي يتم التعامل معها، هي أحد معايير توصيف مدى احترام تلك الكيانات للقيم الديمقراطية والالتزام بها خطابا وممارسةً، فلابد أن تكون المصداقية والقدرة على تنفيذ البرامج الانتخابية القاعدة الأساسية لأي تحالف انتخابي في مرحلة ما قبل الانتخابات وما بعدها، لا أن تكون التحالفات على أسس وأجندات مغايرة لما هو معلن ومدرج في البرامج الانتخابية تحديداً.  لأن مصداقية وواقعية تنفيذ الوعود المدرجة في البرامج الانتخابية قد تكون هي البوصلة لمسار السلطة، إذ لابد للكيانات السياسية أن تدرك أن إخفاقها أو تعثرها في تطبيق وترجمة برامجها عمليا لا تبرره عبارات مثل الإمكانات، التحديات، المؤامرات؛ لكونها عبارات زائفة في تبرير العجز عن تحقيق الوعود الانتخابية، لأن التنصل يفسر أن هذه الكيانات السياسية عملت على تحويل البرامج الانتخابية إلى مجرد مناورات ومزايدات سياسية تستثمرها كأساليب مساعدة للوصول إلى السلطة، وهذا يعني انحراف السياسة عن مسارها واتجاهاتها وأهدافها الأساسية. إن كل البرامج الانتخابية المقدمة للتنافس في انتخابات مجلس النواب القادم تكرس رؤية الأحزاب داخل السلطة، ولم نجد برنامجا انتخابيا يتبنى خيار المعارضة والرقابة والمتابعة، كما أن تلك البرامج تتجاوز حدود صلاحيات ومهام النائب وطبيعة عمله، فإذا كانت البرامج الانتخابية هي وسيلة الارتباط بين المرشحين والناخبين في النظم الديمقراطية، فإنها في العمل السياسي في العراق ليست بالأهمية التي تماثل ما هو موجود في الدول الديمقراطية الأخرى، ذلك لأن الشعب العراقي لا يعتبرها الأساس في انتخاب المرشحين إلى السلطة التنفيذية، لأن ميول الناخب العراقي إما أن تكون دينية مذهبية، أو قومية، أو حكومية، أو سياسية، من دون وعي سياسي حاذق يجعل من فهم ماهية طبيعة عمل النائب، هل هي تعيين الناخب وحصوله على وظيفة؟ أم تبليط شارع؟ أو المحافظة على بيضة العشيرة والمذهب والقومية...؟  فالنائب مهامه تشريع القوانين ورقابة على عمل السلطة التنفيذية، لكن يستمر المرشحون بمحاكاة الفهم البسيط للناخب لطبيعة عمل مجلس النواب، وهذا أدى إلى أن تكون البرامج الانتخابية حلقة فائضة في العملية السياسية في العراق، لهذا نجد دائما أن هذه البرامج الانتخابية تكاد تكون مستنسخة لغالبية الكيانات السياسية المتنافسة، إذ إننا نجد نفس المواضيع ونفس الرؤى ولكن بصياغات متعددة تتكرر في برامج الأحزاب المختلفة.