19 سبتمبر 2025
تسجيلما جرّ على قطر تكالب الأمم إلا أنها أرست مفهوما جديدا للدولة الكبرى المتفاعلة مع القضايا الـمُلحة بسبب حلول الرؤية الثاقبة مكان القوة التقليدية ونمطية الدولة الكبرى.. لا غرو إن ساهم هذ النهج البديع في جعل قطر محاورًا ومفاوضًا أساسيًا في أزمات دوليَّة عدة، والمساهمة الفاعلة في صياغة مبادرات تتعلق بالقضيَّة الفلسطينيَّة والقضيَّة العراقيَّة والوضع في لبنان وقضيَّة دارفور، ولذلك سجّلت قطر حضوراً كبيراً ولافتاً في الساحتين الدولية والإقليمية، فتحركت مكامن الأنفس الشريرة حسدا وبُغضا.العالم اليوم ينظر بإعجاب ودهشة إلى الصمود القطري أمام الهجمة الشرسة.. صمود يتوشح ثوب الصبر والأناة والتؤدة.. لم يشهد العصر الحديث مثل محاولات الخنق والوئد التي تعرضت لها قطر، وما درى أولئك أن الرياح والعواصف لا تهزّ الجبال الراسيات.. ستخرج قطر من هذا الحصار الآثم أكثر قوة وبأسا، فمنذ ساعات الحصار الأولى بدت الحياة ماضية على وتيرتها العادية.ومع كل ذلك الحيف لم تبادر الدوحة حتى بحق المعاملة بالمثل مستصحبة شيم النخوة العربية والأخلاق والقيم السمحاء.. بقيت الاتفاقات التجارية عهدا مرعيا، فلم يتوقف على سبيل المثال تدفق الغاز القطري عبر أنبوب دولفين إلى دولة الإمارات بنفس الأسعار التفضيلية.. قناة الجزيرة مضت في تغطياتها الإخبارية بمهنية وحرفية، في خضم العاصفة الصاخبة عكس رصيفاتها في المنطقة اللائي فجرن في الخصومة والإسفاف والتطفيف. وقد بلغ تأثير قناة الجزيرة شأوا عظيما؛ يذكُر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن للقناة تأثيراً بالغا ًفي صياغة الرأي العام العربي، ويُشير المعهد إلى أن القناة ألقت بظلالها على كافة وسائل الإعلام العربية. وفي تقرير لمجلة The National Review الأمريكية - وهي تمثل اليمين المتشدّد - أوردت تقول: منذ انطلاقة الجزيرة في العام 1996، كانت أهم مصدر للمعلومات عن الغرب لكثيرٍ من الناس في العالمين العربي والإسلامي. وتساعد المحطة في تشكيل آراء حوالي 45 مليون شرق أوسطي، بالإضافة لأعداد كبيرة من الأوربيين المتكلمين باللغة العربية و150 ألف أسرة أمريكية. وتقول الدكتورة ألفة لملوم المحاضرة في جامعة باريس العاشرة في كتابها (الجزيرة المرأة الثائرة والغامضة في العالم العربي): "إن الجزيرة أصبحت الحزب السّياسي الأكثر شعبيةً وشفافيةً لدى جماهير المنطقة وخارجها في بلدان المهجر مستقطبة بذلك أكثر من 50 مليون لبرامجها عام 2003". مضيفة "إن قناة الجزيرة قد احتلت مركزاً إعلامياً رئيسياً بين المحطات العربية منها والدولية. وتقول وكالة رويترز للأنباء في تقرير لها "إن استطلاعات الرأي العام تظهر أن القناة المفضلة في غالبية المنازل العربية هي قناة الجزيرة وقفزت إلى قمة النجاح بالجمع بين الأنباء الواقعية والتصميم البارع والبرامج الحوارية التي تخرج عن سياج المحظورات في العالم العربي.الشاهد أن أي مؤامرة تستهدف الأمة العربية والإسلامية لابد وأن تحسب ألف حساب لقناة بهذه المواصفات الفريدة.. وعليه فقبل كل شيء لابد من ضمان إسكات صوت قناة الجزيرة لضمان تنفيذ المؤامرة بلا ضجيج قد يحرك الشعوب مجددا ويفشل المخطط الآثم. ويحضرنا هنا موقف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش من تأثير قناة الجزيرة؛ فقد نشرت صحيفة الديلي ميرور البريطانية في 22 نوفمبر 2005م موضوعاً حصرياً على غلافها تقول فيه إن بوش خطط لتفجير مبنى قناة الجزيرة في بلد عربي صديق، حسبما كشفت عنه مذكرة "سرية جداً top secret" صادرة عن 10 داوننغ ستريت. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تشن هجوماً شاملاً على مواقع مقاومي الاحتلال الأمريكي للعراق في مدينة الفلوجة.