12 سبتمبر 2025
تسجيلمن المتشابهات في قصة آدم عليه السلام قوله تعالى: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (سورة البقرة: الآية 36) (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا، وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين) الأعراف: 20والموضع الذي نحن بصدده اليوم هو (فأزلهما) و(فوسوس)، والمفسرون لا يقارنون بين الآيتين؛ ولذا سنعتمد على بيان معنى المفردة أولا، ثم تحليل الآية في ضوء سياقها.في سورة البقرة قال تعالى: فأزلهما، وفي قراءة حمزة فأزالهما، بزيادة ألف، وفي القراءتين اختلاف في المعنى، فأزلهما أي أوقعهما في الزلل، وأما فأزالهما أي أبعدهما، من الإزالة.وفي هذا الموضع نجد أن الله تعالى حكى أن آدم أُدخل الجنة ثم أخرجه الشيطان منها بعد أن أوقعه في الخطيئة والزلل، ومن هنا فإن القراءتين يمكن أن تتكاملا في المعنى، وإن كان غالبية المفسرين يقولون إن (فأزلهما) بقراءة الجمهور أوقع، لأن الله تعالى قال في موضع آخر: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) أي أوقعهم الشيطان في الزلل.فهنا حديث مجمل عن قصة دخول آدم الجنة ثم خروجه منها، ثم توبة الله على آدم عليه السلام.وأما في سورة الأعراف فالسياق يختلف، ففيه تفصيل للحظة الإغواء بذكر كلمة (وسوس) التي تعني الكلام الخفي الذي يكرر، مثل وسواس الحلي أي صوت الحلي في يد المرأة أو رجلها، فإن له تكرارا منتظما، ويكون المعنى في هذه الآية أن إبليس ظل يوسوس لآدم بكلام خفي أشار إليه القرآن بقوله: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ثم بقسم إبليس لهما: (وقاسمها إني لكما لمن الناصحين) وبلغت الوسوسة أوجها بقوله: (فدلاهما بغرور) لتكون النتيجة: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة). كل ذلك أخذ وقتا طويلا من إبليس مع آدم وزوجه، وهذا التفصيل أعقبه درس طويل لبني آدم، فقال: (يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان) والفتنة تكون بما وسوس به الشيطان من حب الخلود أو الملك، وهذا ما لم يذكر في موضع سورة البقرة، فهذا الموضع ذكر فيه التفصيل لإعطاء الدرس لبني آدم مجملا ثم يمثل عليه بعد ذلك بذكر قصص السابقين من نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام جميعا.أما في موضع البقرة فإنه لم يذكر هذه القصص، وإنما ذكر قصة موسى وطرفا من قصة إبراهيم عليه السلام.وفي الموضع الأول لم يكن التركيز على غواية الشيطان إلا بشكل مجمل؛ لأن سورة البقرة مدنية اهتمت بالتشريع وذكر الأحكام، أما سورة الأعراف فإنها مكية، ومناسب جدا أن تتحدث عن قصة الصراع بين إبليس وآدم ومن بعده البشر، ولذا كانت صورة التحذير واضحة على طول السورة حتى آخرها، إلى أن قال تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). إذا فالوسوسة ذكرت في مقام تفصيل الصراع بين إبليس والبشر، وأزلهما ذكرت في مقام التأسيس لعلاقات إنسانية في دولة ناشئة فتكفي الإشارة عن العبارة.