19 سبتمبر 2025
تسجيلبالأمس تحدثنا عن الطمع والمذموم منه بالطبع، وقلنا إنه ربما لا يفرق عن الحسد كثيراً لأنهما يلتقيان في مقصد رئيسي هو الحصول على الشيء بأي وسيلة، إلا أن الحسد يزداد شراً وسوءاً، فهو بالإضافة إلى أنه الرغبة في الحصول على ما يشتهيه – أي الحاسد – فإنه يتمنى زواله عن الآخر أيضاً، في مشهد بالغ الأنانية وتمني السوء للغير والعياذ بالله.يروي جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العين حق، لتُورِد الرجل القبر، والجمل القِدر، وإن أكثر هلاك أمتي في العين".. إنه الحسد، ذالكم المرض النفسي المعقد، والذي إن تمكن من المرء فلن يدعه يهنأ بعيش، ولن يدعه يعيش بسلام وأمان، لا مع نفسه ولا مع غيره!!الحاسد يعيش في قلق لا مبرر له، ولا أحد يطلبه أو قد طلب منه.. إنه يوقع نفسه بنفسه في هم ليلي وتوتر نهاري، ولو أنه تفكر في حاله لحظات قليلة، لوجد أن الأمر لا يستاهل أبداً دقائق معدودات من حياته الثمينة، لكي يعيشها على تلكم الحالة الكئيبة من العيش!الحاسد ضعيف الإيمان، ولا يريد أن يتفكر في مسألة الأرزاق على وجه الخصوص، وكيف أنها مسألة خاصة بالرازق جل وعلا، يوزعها كيفما شاء ولمن شاء ووقتما يشاء، فلماذا يحمل الحاسد هذا الهم والقلق ولا يرضى النعمة للغير؟إن لم تكن ترغب في أن تصل خيراتك للآخرين، فأنت حر في مالك، ولكن ليس من شأنك أن تعبر عن استيائك وحنقك وغضبك وتألمك حينما تنزل نعمة بآخرين ومن مال آخرين، وهي كلها من مال الله أولاً وأخيراً.من يتفكر في فلسفة الحسد والحاسدين، وقد حفظه الله من هذا المرض، سيعلم جيداً كم هو سعيد وكم هو محظوظ في حياته أنه لا يعرف هذا الداء النفسي الكئيب، الذي لا تنفع معه أدوية البشر كلها، سوى اللهم الدواء الشافي المتمثل في الإيمان وتعزيزه بالنفس والرضا بحكمة الرزاق الكريم.. وما عدا هذا غير نافع، بل سيظل الحاسد يعيش حياته لتضيق نفسه تدريجياً حتى تنقبض فتُقبض ثم يجد نفسه في عالم البرزخ.. ولات حين مناص.