ثقيل الظل(2)

قال بعض أهل الأدب: كان يُقال استحسان الثقيل ثقل، واستثقال الخفيف علامة الثقل. وقال يحيى بن سعيد لإنسان يُكثر الكلام إما أن تُحسن مجالستنا وإما أن تقوم. ثقيل الظل من إذا كلمته عن طريق الهاتف أو هو كلمك لا يريد أن يقطع المكالمة الهاتفية إلاّ بعد عناء ومشقة. ثقيل الظل من إذا زار مريضاً أثقل عليه بالسؤال والحديث وطول الزيارة. مرض الشعبي رحمه الله فعاده رجلٌ ثقيل الدم، فأطال الجلوس جداً. فقال الشعبي: ما أشد ما مرّ عليك في مرضك؟ قال: قعودك عندي. ثقيل الظل من يكثر الكلام ويتدخل فيما لا يعنيه. ثقيل الظل من يقرّب هذا ويُبعد ذلك. ثقيل الظل من يكثر الانتقادات والشكوى واللوم. ثقيل الظل من يأتيك كل يوم إلى مؤسستك لإنجاز معاملته مع أنك قلت له ان معاملتك ستنتهي مثلاً بعد ثلاثة أيام. ثقيل الظل من ينقص عليك يومك بأتفه الأسباب وأقبح الكلمات. ثقيل الظل من يتطفل على هاتفك وينظر ويقرأ ما فيه. ثقيل الظل من تمد يدك إليه للسلام فيسلّم عليك بأطراف أصابعه. ثقيل الظل من يمر عليك ولا يسلّم عليك، والعكس من يسلّم ولا يرد السلام. ثقيل الظل من ينفث الدخان في وجه الآخرين. ثقيل الظل من يعطل حركة السير المروري ليتكلم مع صاحبه. ثقيل الظل من اذا أراد ان يأخذ اتجاها ما لا يعطي الإشارة ليسلك هذا الاتجاه أو عندما يقترب من هذا الاتجاه يعطي الإشارة. ثقيل الظل من يُتلف ويشوه الممتلكات العامة. ثقيل الظل من يفتح نافذة سيارته ليرمي مخلفات مهما كان حجمها. وما أجمل ما أتحفنا به الأولون عن ثقيل الظل، ونأتي بها هنا للفائدة. عن عمر رضي الله عنه قال: من أمن الثقيل فهو الثقيل. وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا استثقل رجلاً يقول: "اللهم اغفر له وأرحنا منه". وقال الإمام الشافعي رحمه الله ما جالستُ ثقيلاً إلاّ وجدت الجانب الذي يليه من بدني كأنه أثقل عليّ من الجانب الآخر. وعن ابن سيرين قال: سمعتُ رجلاً يقول "نظرتُ إلى ثقيل مرة فغشي عليّ". قيل للأعمش: ممّ عمشت عيناك؟ قال: من النظر إلى الثقيل. وقال ثقيل لمريض: ما تشتهي؟ قال: اشتهي أن لا أراك. وكان وكيع رحمه الله إذا جلس إليه ثقيل أغمض عينيه وقام عنه. وروى سلمة بن شبيب قال: سمعت أبا أسامة يقول: إيتوني بمستملٍ خفيف عن اللسان، خفيف على الفؤاد، إياي والثقلاء، إياي والثقلاء. وكان يقال الأنس بالثقيل علامة الثقل، لأن كل طير يطير مع شكله. ما أصبنا من فائدة فمنه وحده صاحب الفضل والعطاء، وما أخطأنا فمن النفس والشيطان. حفظ الله الجميع. "ومضة" كان محمد بن سيرين رحمه الله إذا أثقل عليه رجل لم يذكر ذلك إليه ويقول: نعوذ بالله من قرين السوء وجليس السوء. ومن أراد الاستزادة فعليه بكتاب "ذم الثقلاء لأبي بكر المرزبان".