24 سبتمبر 2025
تسجيلفي خطابه الأخير وبعد مضي قرابة ستة أشهر دون خطاب أو بيان طلع بشار الأسد أمام مجلس الشعب الجديد المزور في جلسته الأولى ليتوج المسرحية الهزلية التي رتب شخوصها وأدوارهم آخذا على عاتقه أن يتقن السرد والحبك متصدر المشهد الأليم الذي عانى ويعاني منه الوطن السوري بسبب جرائم جلاديه التي باتت باقتيات دماء الشعب على الدوام جرائم ضد الإنسانية وأفقدت بشار وزبانيته وشبيحته أي شرعية لحكم بلاد الشام الأبية وهو الفاقد لها أساساً ولأن المقال لا يكون واضحا إلا بالمثال على الغالب فقد علمه مستشاروه وهو الطبيب – أن يتحف الشعب المظلوم المهضوم المكلوم ويلبس على الآخرين في العالم بخداع لا ينطلي على العقلاء أو الساسة المخضرمين أو الأطباء النطاسيين وذلك كي يبرئ نفسه من المسؤولية العظمى بإهدار دماء السوريين المدنيين وخصوصا الثوار المتظاهرين والمدافعين عن النفس والعرض والوطن والذين باتوا يهتفون بإعدامه جراء ما تفعله يداه من الوحشية التي أصبحت تعجز بلغاء البيان عن وصفها وشرحها فماذا قال الجراح السفاح في المثال؟ لقد ضرب مثله في حماية الوطن المريض اليوم بقوله: عندما يدخل الطبيب الجراح إلى غرفة العمليات ويفتح الجرح فينزف ثم يقطع ويبتر ماذا نقول له؟ تبت يداك هي ملوثة بالدماء أم نقول له: سلمت يداك لأنك أنقذت المريض! طبعاً سنقول: سلمت يداك هذا إن كنت تفعل ذلك كما يفعل الطبيب بنية إنسانية محضة همها الإنقاذ وليس بسابق إصرار وتصميم على القتل والجرح والقمع والإبادة التي تمثلت بمجازر لا مثيل لها في الوحشية كما اعترفت أنت بذلك وأهمها مؤخراً مجزرتا الحولة والقبير في ريف حمص وحماه، حيث ذبح وحرق الأبرياء وخصوصا النساء والأطفال، نحن نتمنى أن يتحدث بالإنقاذ غير بشار الذي هو سر أبيه قبله بتحكيم الحسم الأمني مهما سقط من الضحايا حفاظا على السلطة والحكم الظالم والتمييز الطائفي الحاقد، ونحن نعلم علم اليقين أنه لولا الإصرار على هذا الخيار الدموي ما بقي هو ولا أبوه على سدة الرئاسة شهرا واحدا، وبشار منذ خطابه الأول بداية الأزمة 30 مارس أكد أنه مع الحرب للشعب إن فرضت عليه، وهو اليوم في خطابه الخامس يؤكدها ويهدد الشعب والوطن بدفع ثمن أغلى إن استمرت الثورة عليه لأنه الوحيد الذي يحمي الوطن والمواطن، إن المتأمل لكل ما جاء في الخطاب من تناقضات ومغالطات يخلص إلى أن بشار ليس من البشر أبدا وأنه يتعامل مع الرعية بالاحتقار الذي هو الشكل الأذكى للانتقام كما قال بالتاستارغراتيان. فبشار يحتقر كل من يعارضه حقدا وغلا لأن الحقد هو أساس الإهانة والاحتقار، فهل يستأهل شعبنا الحر الثائر البطل مثل هذه الأوصاف وهل تشخيصه للكثيرين بأنهم جراثيم لابد من القضاء عليهم باسم مكافحة الإرهاب رؤية حاكم حسن التدبير مع أنه ومن معه لا مثيل لهم في الإرهاب المنظم الممنهج داخلياً وخارجياً رغم انكاراتهم المتكررة فهم كما يقال: يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته! كما أنهم يطلقون كلاما عن الاعتذار بقالب الكذب المزخرف، وهذا إن فهم أنه اعتذار ولكن المكابرة شعارهم مع ظهور كل البراهين على سفكهم للدماء واصطفافهم في نادي السفاحين، ناسين أنه جاء في الأثر أن الرجل لا يزال يذهب بنفسه – أي غرورا – حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم، أليس مثال زين العابدين ومبارك والقذافي وصالح ماثلا للجميع، ولكن الظلم والعلو هو الذي يقودهم إلى رذائلهم وأهمها جحود الحق مع وضوح الدلائل، كما قال الله عن قوم فرعون (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا...) "النمل: 14"، ويطلبون عزا بباطل ليورثهم الله الذل بحق، لأنهم اعتمدوا على السهام الطائشة كما قال شوقي: الحق سهم لا ترشه بباطل ما كان سهم المبطلين سديدا يحاولون ويحاولون اتهام شرائح مخلصة في وطنيتها انها تتقاضى بعض المال للخروج في الثورة بل وقتل الناس مقابل ألفي ليرة سورية، كما تبجح بشار من شدة إفلاسه الحقيقي في عالم الأخلاق والقيم وإن هذا ليدل على البغض الذي هو ابن الخوف لكل من اتصف به وهو انتقام الجبان، كما قال الفيلسوف برنارد شو، أقول: بل هو الخيانة والخائن يكرهه الجميع. ولكن واأسفاه! فكم من خائن اليوم لا يشنق بل يشنق الآخرين، كما قال غاستون اندربولي ومثل هؤلاء لا يتخلصون من الرذائل فيهربون منها بل إنهم يعتزون بنقائصهم تلك، فالمسألة في حقيقتها مسألة الضمير الحي الذي هو صوت الحق والذي إن تلوث بثلاثة أشياء المال والسلطة والشهوة فإنه يتخدر ويصاب بالصدأ كما يقولون ولذلك وقف عنده إبراهيم المازني معلناً: همي ضميري فإن أرضيته فعلى رأي العباد سلام المستخفينا فلا تغرنكم المواعيد العرقوبية فإن الطبع غلب التطبع ووعد الكريم نقد لكن وعد اللئيم تسويف وإن فعل شيئا فبالمظهر لا بالجوهر إن هذه العصابة معجونة بالاستبداد والاستعباد وإنها تخشى من الانفتاح السياسي الحقيقي لأنه يقضي عليها في النهاية رغم غباء الطغيان. ومن هنا ثار السوريون لأنهم لم يجدوا أي خيار غير الثورة فكانت المعادلة الصعبة إذ أن بشار قد صرح أنه يريد تنظيف الشارع السياسي منهم معاكساً اتجاه ريح التغيير التي لابد أنها ستقتلعه رغم اعتماده على الروس والصينيين دوليا وإيران واتباعها إقليميا وسوقه الشعب في الداخل للاحتراب الطائفي عساه يظفر ولو بقسم صغير من الكعكة في سورية فينشى الدولة العلوية إن استطاع. وفي الختام إن إصرار بشار على توجيه المعايب لشعبه وكيل الاتهامات دون أن يحاسب أي مجرم اقترف بحق الشعب كل هذه الجرائم من قتل فظيع واعتداء شنيع على النساء والأطفال والشيوخ وتهجير مئات الآلاف خارج بلادهم لأول مرة في تاريخ سورية واعتقال مئات الآلاف وتصفية الكثيرين منهم تحت التعذيب لن يحل المشكلة المعضلة كما يتصور بمبضع الجراح، فهذه مقاصل السفاح التي ستقتله قريباً مهما تجبر.