14 سبتمبر 2025

تسجيل

تنظيم القاعدة والثورات العربية

10 مايو 2014

مع بداية الثورات العربية ونجاحها في تونس ومصر، دون أن تتحول إلى ثورات مسلحة- كما حصل في ليبيا وسوريا فيما بعد، نشأت إشكالية عند التيار الجهادي الذي لم ير بداً من المواجهة المسلحة مع النظم الحاكمة لتغييرها. نجاح التحركات السلمية للشعوب في التغيير أثر على كل أدبيات تنظيم القاعدة التي كانت ترى أن العنف الشديد هو السبيل الوحيد لقلب نظام الحكم ولإعادة الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي إلى بعده الديني.ولما بدأت الأزمة في سوريا وزادت أعمال البطش، وجد التيار الجهادي ومعه تنظيم القاعدة الباب مفتوحاً للعودة من جديد إلى الساحة، ونفخ الروح في أدبياته الفكرية والسياسية حيث جاء الخطاب الأول لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري مؤكداً أن السنة مستهدفون في سوريا طائفيا وراح يعمل على تحويل المشهد من حراك سياسي نحو التغيير إلى صراع مذهبي ديني يعزز في الأساس من فكر القاعدة ويهيئ لها التربة الخصبة للوجود تحت ستار حماية أهل السنة ومواجهة ما يتعرضون له، محاولاً استثمار التعاطي الأمريكي مع الأحداث بداية الأزمة للتدليل على أن العدو الأساسي للسوريين وللمسلمين من خلفهم هي الولايات المتحدة التي تدعم النظام لقمع شعبه وأن النظام ليس إلا واجهة للإمبريالية الأمريكية والإسرائيلية، وهذا الكلام يختزل المشهد السوري الذي هو أكثر تعقيدا وتداخلاَ من ذلك بكثير. دخول تنظيم القاعدة على خط الثورات العربية وتحديدا في سوريا أضاع الثورة على شعبها وأدخل المجتمعات العربية في أتون صراعات مذهبية. وقد انشغلت المنتديات الجهادية مع بداية الثورات العربية في الإجابة على السؤال الصعب: هل سلوك الطرق السلمية في النضال هو الطريق الأسهل والأقل كلفة والأكثر أماناً في إحداث التغيير المنشود وإعادة السلطة إلى الشعب التي قطعاً ستختار الحكم بما أنزل الله ؟ ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال عند المنظرين لتيار الجهاد العالمي، إذ يعني ذلك القضاء على جهد ستين سنة من التنظير والتطبيق الذي مارسه هذا التيار في أكثر من منطقة عربية ومسلمة آملاً في بناء دولة إسلامية راشدة على منهاج النبوة. إلا أن مفكري تيار الجهاد العالمي ومنهم قيادات القاعدة كانوا يراهنون على أن الثورات العربية ستدعم وتثبت المشروع الجهادي وستعطيه قفزة ماراثونية تطوي حقبات زمنية في تحقيق الهدف المنشود..ويكشف القيادي في تنظيم القاعدة عبد الله بن محمد في كتابه "المذكرة الإستراتجية" عن رسالة كتبها الشيخ أسامة بن لادن بعد نجاح الثورة المصرية يرى فيها أن "الثورات العربية في محصلتها النهائية ما هي إلا كيوم "بعاث" الذي قتلت فيه صناديد الأوس والخزرج واضطربت فيه موازين القوى في المدينة ليفتح المجال بعد ذلك أمام أي قوة فتية تصلح للقيادة وتستطيع ملأ الفراغ، فكان الأمر كما وصفته عائشة رضي الله عنها: كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم.. أخرجه البخاري. وقد استشرف تنظيم القاعدة أن حالة التوافق والالتحام التي ظهرت عليها الشعوب في مواجهة النظم العاتية وتمكنت من إسقاطها ليست إلا وضعاً استثنائيا لا يمكن أن يستمر وهو خاص بمرحلة الثورة وإسقاط النظام، فإذا ما انهار النظام فإن الاستثناء سيزول والفرقة والاختلاف بين القوى الثورية ستبدأ وما حدث في تونس ومصر بعد الثورة خير دليل على ذلك، وهذا في الأصل يرجع إلى أن العرب قوم لا تصلح لهم الديمقراطية بحال! وهذا ما دندن عليه بعض علماء الاجتماع في الغرب - وهذا من حفظ الله لهم - والدليل على ذلك أن لبنان وهي الكيان الوحيد الأقرب للنظام الديمقراطي في العالم العربي هو نفسه أكثر هذه الأنظمة اضطرابا، ولذلك نرى أن مع كل أزمة سياسية في لبنان يتجدد الحديث عن الحرب الأهلية! ولو قلنا إن لبنان له خصوصية فهذا العراق يرزح تحت عتبات الظلم والفقر والتناحر مع أن نظامه الديمقراطي قد صنع على عين أمريكا، فالمشكلة ليست في النظام الديمقراطي - على مساوئه - على وجه التحديد، ولكن في طبيعة العرب وخصائصهم الاجتماعية التي لا تنقاد إلا للقوي".. (المذكرة الإستراتجية ص: 5). ومع الاقتتال القائم اليوم بين هذه الفصائل في سوريا، وما لحق بالشعب السوري من مآسٍ على خلفية انحراف بوصلة النضال، نخشى أن تلحق التجربة السورية بسابقتيها الجزائرية والعراقية.. ويصبح المواطن السوري يبحث عن الاستقرار والأمان أيا كان من يحكمه ومهما بلغ جبروته وظلمه!