18 سبتمبر 2025
تسجيلأعلن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان أن بلاده قد تشهد إعادة للعلاقات مع إسرائيل خلال فترة قصيرة.وقد قدّرت بعض وسائل الإعلام التركية أن يكون ذلك خلال أسبوعين أو شهر، وربما تكون الخطوة الأولى هي إعادة تبادل التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء، ومن ثم التعاون على مختلف الأصعدة.والتفاؤل بإمكان تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل قد يكون في محله هذه المرة لأكثر من سبب.الأول أن إسرائيل لبت طلب تركيا الاعتذار على حادثة مرمرة في العام 2010 والتي قتل فيها تسعة مواطنين أتراك بنيران البحرية الإسرائيلية وكانوا على متن أسطول الحرية المتوجه إلى غزة لكسر الحصار عنها.والثاني أن البلدين اتفقا على قيمة التعويضات التي ستدفعها إسرائيل لأهالي الضحايا وهو تعويض غير مهمة قيمته بتاتا، بل هو متصل بترتيبات سياسية عندما تكتمل يعلن عن قيمة التعويض.والثالث أن أردوغان قد انتهى من الانتخابات البلدية ولم يعد مقيدا بميول الناخبين الذين تبين أنهم سينتخبونه سواء كان مطبعا مع إسرائيل أم لا، إذ إن عوامل الصراع الداخلية هي التي تتحكم بشكل حاسم في طبيعة توجهات الناخب في انتخاب هذا أو ذاك.أما السبب الرابع الذي يدفع في اتجاه التطبيع الكامل فهو قضية الطاقة في شرق المتوسط واكتشاف الغاز الطبيعي والنفط. وهنا لتركيا دور مباشر في المسألة، إذ إن بدء قبرص اليونانية استخراج النفط بمفردها من دون التنسيق مع قبرص التركية استفز تركيا على اعتبار أن المياه الإقليمية القبرصية واحدة ولا يحق للقسم الجنوبي من الجزيرة أن يتصرف بمفرده، لكن ضغوط الشركات الأمريكية والغربية التي تنقب وتستخرج الغاز الطبيعي من مياه قبرص سوف تكون مؤثرة أولا للوصول إلى حل للمشكلة القبرصية وثانيا لتعاون تركي- قبرصي في هذا المجال. وهنا فإن التعاون القبرصي اليوناني مع إسرائيل لتصدير الطاقة المستخرجة إلى أوروبا قد يجد تركيا ممرا أسرع وأقل كلفة من أي خيار آخر وهذا سيدفع باتجاه إعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.غير أن عوامل متصلة بالعلاقات التركية- الأمريكية تدفع للاعتقاد بأن تركيا معنية بالتطبيع مع إسرائيل، إذ إن أردوغان يتعرض لحملة غربية- أمريكية كبيرة منذ حوالي السنة لأسباب ظاهرها واقع الحريات في تركيا والتضييق عليها واتهام أردوغان الغرب بأنه يسعى لإسقاطه تارة عبر انتفاضة تقسيم- غيزي التي انفجرت في منتصف العام 2013 وتارة عبر قضية الفساد التي انفجرت في نهاية العام نفسه والتطبيع مع إسرائيل يخفف من هذه الضغوط على أردوغان. غير أن واشنطن تضغط بهذه الملفات على تركيا لكي تعود إلى سياسة التعاون الكامل مع إسرائيل ولم تكن خطوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما صغيرة عندما ضغط على رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لكي يعتذر لتركيا عن حادثة مرمرة ومع ذلك فإن أردوغان لم يقابل هذه الخطوة بما تستحق من توقعات أمريكية، فكان التوتر بين أنقرة وواشنطن وانقطاع التواصلات المعتادة بين أردوغان وأوباما منذ سنة خلا اتصالين هاتفيين.وفي الواقع أن توتر علاقات تركيا مع محيطها العربي، مع سوريا والعراق ومن ثم مع مصر وبعض الدول الخليجية، ولاسيَّما السعودية، يحذو بأردوغان للخروج من عزلته، إضافة للأسباب أعلاه، لكي يعيد وصل ما انقطع مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة، بحيث يمكن أن ننتظر في القريب العاجل، وما لم يخرج أردوغان بمواقف مفاجئة، وهو أمر اعتاد عليه الرأي العام، أن تعود العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى سابق عهدها وبالتالي إعادة رسم السياسة الخارجية التركية على قاعدة المثلث الأمريكي- الإسرائيلي – التركي. وفي كل هذه السياقات يجب ألا ننسى أن العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل لم تتأثر بالخلافات السياسية، بل تزداد مع كل سنة.ولا ننسى كذلك أن تركيا بلد أطلسي لا يمكن مهما بلغت الانعطافات في سياساتها الخارجية أن تخرج من قيودها الأطلسية التي يبدو أنها هي راضية عنها، بل تستخدمها عند الضرورة لمصالحها بمعزل عمن هو في السلطة في تركيا، علمانيين أو إسلاميين.