14 سبتمبر 2025
تسجيلولد جميل مريج في عام 1914، لعائلة من أصل بلقاني استقرت في لواء إسكندريون بعد أن خسرت الدولة العثمانية منطقة البلقان في عام 1912. أطلق اسم العائلة (مريج) على اسم نهر ماريتسا، كتذكير لأصل العائلة العثمانية. بعد الحرب العالمية الأولى، احتلت فرنسا محافظة أنطاكيا وعانى جميل من الاستعمار الفرنسي وبؤس الكساد الاقتصادي في فترة ما بين الحربين. إلى جانب لغته الأم التركية كان يتحدث الفرنسية بطلاقة بالإضافة الى العربية والإنجليزية أيضًا. قام بتدريس اللغة الفرنسية وآدابها في مدن مختلفة وعمل بعد ذلك محاضراً في جامعة إسطنبول. منذ شبابه، بحث مريج عن هويته كمثقف مسؤول، وحدد فترات حياته بأنه «مسلم متشدد» بين عامي 1917 و1925، و»قومي شوفيني» بين عامي 1925 و1936، و»اشتراكي» بين عامي 1936 و1938، و»متردد» بين عامي 1938 و1960، و»مؤيد للهند» بين عامي 1960 و1964 و»عثماني» بعد عام 1964. وكطفل ذي روابط اجتماعية ضعيفة، انغمس في قراءة الكتب على نطاق واسع. تأذت عيناه بسبب الإفراط في القراءة وفقدها بشكل شبه كامل في سن الأربعين. لكن حياته الفكرية لم تنته حيث كان يقرأ ويكتب بمساعدة أبنائه وأصدقائه وطلابه. بالنسبة له، كانت الكتب بمثابة جنة آمنة، يقول: «عشت في الكتب وأحببت الأشخاص الموجودين في الكتب أكثر من الأشخاص الموجودين في الشوارع. لقد كانت الكتب حديقتي الخاصة، وكانت معالم رحلة حياتي». بدأ مريج بكتابة المقالات والأشعار عندما كان عمره 21 عامًا فقط، حيث قام بترجمة العديد من الكتب من الفرنسية إلى التركية. وقد كتب بغزارة في مجلات الأدب والفكر منذ ذلك الحين، وقام بترجمة العديد من الكلاسيكيات الفرنسية مثل هرناني وفيكتور هوغو. بدأ بكتابة اليوميات عام 1963 ونشر كتبًا مؤثرة مثل «هذا البلد» و»سان سيمون: عالم اجتماع أول واشتراكي أول». حصل على العديد من الجوائز، وتم التأكيد على إرثه خلال عهد حزب العدالة والتنمية حيث أطلق اسمه على العديد من الاماكن العامة. بصفته مثقفًا عاش في الفترتين العثمانية والجمهورية، شهد مريج تأرجح العقول بين المثقفين الأتراك بين الشرق والغرب. ولم يدخل في جدالات السياسة اليومية، بل حاول التركيز على القضايا الدائمة مثل الاستعمار والاستقلال والتنمية والحضارة والهوية. كما قال إن الصدع الأيديولوجي الغربي بين اليمين واليسار لا يناسب المجتمعات الإسلامية. كما أنها تسببت في عبء إضافي وهشاشة للمثقفين الأتراك الذين كانوا يشعرون بالضعف ضد الغرب. وبدلاً من ذلك، اقترح مريج إحياء الشرق أو آسيا باسم الحضارة الهندية ضد الغرب. كان جميل مريج مفكراً مسؤولاً اعترض على تآكل الهوية التركية المسلمة واللغة في ظل التوجه الغربي لمؤسسي الجمهورية الجديدة. لقد حاول رأب الصدع بين الماضي والحاضر في المجال الفكري. وأوصى الشباب التركي بتعلم اللغات الشرقية والغربية لمعرفة الغرب بعقل مستقل. ورأى أنه يجب على المثقفين الأتراك البناء على ماضٍ متين والاستفادة من الحضارات الأخرى لمواجهة التحديات الغربية. وقال إن الحضارة لا يمكن تحويرها إلى حضارة أخرى، منتقدا تقليد الثقافة الغربية في المجتمع التركي المسلم. أراد جميل مريج تحدي الغرب بالحكمة الشرقية وأفنى جهدا كبيرًا ووقتا كثيرا في الأدب والفلسفة الهندية بين الاعوام 1960 و1964. نشر كتابًا بعنوان «الأدب الهندي: على عتبة العالم» نُشر عام 1964. كما يستكشف كتابه «النور يأتي من الشرق» حكمة الشرق والغرب بطريقة انتقائية. يتناول كتابه» من المدينة إلى الحضارة» قضية التغريب وعزل المثقفين الأتراك عن ثقافتهم باعتبار ذلك تمهيدا بزوالها. وكذلك مؤلفه «أربعون مخزن» يشرح المفاهيم الأساسية للنهضة الحضارية ولكنه إنجاز جزئي لمسعى فكري أوسع. تم التحقيق في الحياة الفكرية لجميل مريج على نطاق واسع من قبل العديد من الباحثين بما في ذلك ابنته البروفيسور أوميت مريج في تركيا. ألفت الدكتورة أوميت كتابًا بعنوان «والدي جميل مريج - مثقف تركي في القرن العشرين» ملخصًا لحياة المفكر ومساعيه الفكرية (في مشروع الترجمة إلى اللغة العربية أيضًا). ولأن حياته الفكرية كانت تتأرجح بين اليمين واليسار، فإن كل دائرة فكرية تشيد بإرثه من خلال التأكيد على الأفكار ذات الصلة. يواصل جميل مريج إلهام الكثيرين في تركيا وربما في الخارج أيضا.