18 سبتمبر 2025

تسجيل

التراث الفقهي ثروة تشريعية

10 أبريل 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); الاختلافات الفقهية في تراثنا الإسلامي ثروة تشريعية عظيمة، وسعة وحلول لكثير من القضايا الفردية والأسرية والمجتمعية والدولية، يجب الاستفادة منها جميعا في حاضرنا ومستقبلنا، وليس رأي إمام أولى من رأي غيره إلا بمقدار ما يظهر من قوة حجته، وصحة أدلته، وملاءمة رأيه للعصر، ورائدنا في الانتقاء والاختيار والترجيح بين الآراء الفقهية ما يحقق مقاصد الحق ويراعي مصالح الخلق. وقد كانت المقولة التي تلوكها الألسنة "اختلافهم رحمة" معبرة عن هذه الحقيقة، ولكن بعض قصار النظر رأوا أن الاختلافات الفقهية مصدر فرقة، وتهكم بعضهم فقال: إذا كان اختلافهم رحمة؛ فإن اتفاقهم عذاب. والحق الذي لم يعرفه هؤلاء أن اختلافهم رحمة واسعة، وأن اتفاقهم حجة قاطعة.وحين يدعو البعض إلى الالتزام بمذهب معين في مجال الإفتاء أو التقنين التشريعي فهذا لون من التعصب، وحين يقصر البعض الأمر على المذاهب الأربعة فهذا أيضا تضييق لما وسعه الله ورسوله.ولا يخفى على الباحثين والدارسين أن كل مذهب من المذاهب الفقهية – كما يقول العلامة الدكتور القرضاوي- لا يخلو من جوانب فيها عنت أو تضييق على الناس وهي من ناحية الدليل ليست أرجح ولا أقوى، وفي ساحة المذاهب الأخرى ما هو أصح وأولى بالاختيار عند الموازنة بين الآراء.وقد اعتبر الإمام ابن القيم التمذهب بمذهب رجل من الأمة بحيث تؤخذ أقواله جميعًا وتترك أقوال غيره بدعة قبيحة، حدثت في الأمة، ولم يقل بها أحد من أئمة الإسلام، وهم أعلى رتبة وأجل قدرًا، وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك.ولا ينبغي أن نقصر الصواب على مذهب بعينه أو إمام بعينه فهذا أمر لا يدعيه أحد لنفسه أو لفريقه، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: ومن يصيب في كل شيء؟كما أن المذهب الواحد فيه خلاف بين أتباع المذهب أنفسهم من المتقدمين والمتأخرين بسبب تعدد الروايات عن إمام المذهب وأقوال الصحابة واختيارات من بعدهم.وهذا يدل على أن القول بالالتزام بمذهب واحد مردود لأن الاختلافات الفقهية داخل المذهب الواحد تعادل وتماثل الاختلافات بين المذاهب الفقهية المعتبرة.وكما يقول الشيخ محمود شلتوت: لم يوجب الله ورسوله على أحد من الناس أن يدين بمذهب فقيه معين فإيجابه تشريع شرع جديد.وقد استنكر الإمام ابن القيم على من اقتصر في الفقه على المذاهب الأربعة، وقال: فيالله للعجب؟ ماتت مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الإسلام وبطلت جملة إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الأمة والفقهاء، وهل قال ذلك أحد من الأئمة أو دعا إليه أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه؟وبعض الاجتهادات الفقهية القديمة غير مقبولة اليوم، لأن هذه الاجتهادات منها ما بني على عرف لم يعد موجودًا، ومنها ما بني على مصلحة لم تعد قائمة، ومنها ما بني على معرفة بشرية ثبت خطؤها، ومنها ما يكون مناسبًا لعصر دون عصر، كما أنها أولاً وأخيرًا اجتهادات بشرية لا عصمة لها تحتمل الإصابة والخطأ.ولهذا قرر الفقهاء أنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان. وقد عقد الإمام ابن القيم في إعلامه فصلاً بعنوان "تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.وقرر الفقهاء في مثل اختلاف الصاحبين مع أبي حنيفة أنه اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان.ورحم الله أبا حنيفة كان لإخلاصه لا يفترض في رأيه أنه الحق المطلق الذي لا يشك فيه، بل كان يقول: "قولنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب، وقيل له: يا أبا حنيفة، هذا الذي تفتي به هو الحق الذي لا شك فيه، قال: لا أدري لعله الباطل الذي لا شك فيه.