15 سبتمبر 2025
تسجيليتساءل البعض عن "الإخوان المسلمين" وعن أفكارهم، في ظل ما تتبوأه هذه الجماعة من الصدارة والرمزية الثورية لدى قطاعات واسعة من شعوبنا قدمتهم في طول بلادنا وعرضها ليشاركوا في الحكم أو ليقودوه، وليحققوا الإنجازات، وفي ظل ما يمتلئ به الفضاء الإعلامي من الإشاعات عليهم أو من الدفاع عنهم.. وأقول على الإجمال وأبعد عن التفصيل. الإخوان المسلمون جماعة من المسلمين؛ فيهم السلفي، والصوفي، والمتمسك بمذهبه، ومن لا يرى التمذهب، والمحافظ الميال للقديم، والمتحرر الميال إلى الجديد، والمثقف بالثقافة الشرعية، والمثقف بالثقافة المدنية.. تجمعهم قواسم مشتركة لا تلغي حق الاختلاف في الفرعيات والتفصيلات بقدر ما تجعل الجماعة ومواقفها وفهمها للإسلام متوازنا وموضوعيا، وجامعا وشاملا، وذا هوية واضحة، بعيدا عن المثالية الخيالية وعن الانهزامية الوقوعية، وبعيدا عن الجري وراء العناوين والشكليات بقدر البعد عن التعجل والتورط في مغامرات غير محسوبة.. أما الإسلام ذاته في فهمهم؛ فهو الإسلام كله، من غير تجزيئ ولا تلوين ولا تأطير ولا شخصنة ولا أقلمة، ولا ترحيل، ولا قصقصة ولا علمنة، والتزام الإسلام في منطقهم تكليف عبادي قبل أي اعتبار؛ قبل أن يكون علاجا لمشكلة أو جرعة دواء عند اللزوم.. وهم يفرقون في أحكام الإسلام بين المبادئ الثابتة من جهة والمصالح والسياسات والوسائل المتغيرة من جهة أخرى على غير تناقض بين الجهتين .. فقد يقع التنازل عن موقف دون التراجع عن المبدأ، ما أكسبهم مرونة أكثر وهوامش للمناورة أوسع. أما رؤيتهم السياسية؛ فهم منسجمون مع السنن الكونية؛ فيأخذون بالأسباب الموضوعية والمنطقية ولا يبنون مواقفهم على الظنون والتمنيات، وهم ينتقلون تدرجيا في أهدافهم من تكوين الفرد المسلم صحيح العقيدة والعبادة والسلوك إلى بناء الأسرة المسلمة المتماسكة إلى إسلامية الحي ثم المجتمع ثم الدولة وصولا إلى أستاذية العالم.. وهم منسجمون انصهاريا وتطابقيا مع سمت ومنهاج الدعوة، فيحملون همّ الدعوة، ويرعون الحقوق، ويلتزمون قواعد وأحكام الشرع، وتسودهم روح التناصح والتضحية ، ويمتازون بلين العريكة وسهولة المعشر والتفوق المعنوي ، ويفتحون باب الاجتهاد ويسمحون بالخلاف ، وتقل فيهم روح الفردية والحزبية ، وتعلو فيهم روح الجماعية والأممية ، وهم جماعة تضم كل المعاني الإصلاحية؛ فهم ( طريقة سنية، ودعوة سلفية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية) . أما تاريخهم النضالي والجهادي ودون الغرق في السرد التفاصيلي، فثمة إشارات تعبر عنه وتختصر الكلام حول ذلك؛ فمن جهادهم وانتصاراتهم في مصر ضد الاحتلال البريطاني، إلى جهادهم وانتصاراتهم في فلسطين ما عجز عنه الجيش المصري بكليته وما كتب عنه مؤرخو العدو.. ومن جهادهم ذلك الصمود البارع يوم حموا ثورة يناير المصرية الحديثة وهم اليوم يقارعون الانقلاب العسكري العلماني الغاشم بما أفشل استقراره.. وفي فلسطين رأينا كيف قدمت حماس خيرة قادتها ومؤسسيها وأبنائهم وذويهم في مواجهة العدو الصهيوني، وكيف أفشلت غزوه وفضحت عجزه، وكيف حررت رغما عن أنفه كبار ومخضرمي الأسرى رغم ضيق الحصار، وقلة ذات اليد، وتآمر إخوة الوطن، ورغم غدر إخوة القومية؛ حتى وصل تحديهم للعدو وجرأتهم عليه أن يقصفوا تل أبيب ومستوطناته وأن يكسروا هيبته.. صرح إيهود باراك رئيس سابق لوزراء العدو وقائد جيشه ووزير دفاعه ذات مرة عام 2001 للتلفزيون الصهيوني – بقوله: "لو كنت فلسطينيا لكنت من رجال حماس".. آخر القول: ليس "الإخوان المسلمون" فكرة طارئة، ولا هم جماعة مستحدثة على غير مثال سابق، ولا هم ملائكة لا يخطئون؛ ولكنهم جماعة آثروا العمل على القول، وقدموا التضحية والجهاد على القعود والخذلان، نظروا في حال الأمة فرأوا الغربة في البعاد عن الإسلام فجعلوا العودة إليه هدفهم، ورأوا المسلمين كلا ممسك بطرف من الحق يعمى عن سواه فراحوا يجمعون الصورة ويلملمون الحقيقة، ورأوا بعد سقوط الخلافة فرقة الأمة وغفلتها ورأوا الاحتلالات الأجنبية والفساد الرسمي والاختراقات الفكرية والهزيمة النفسية تفتك بها، فلم يطاوعهم فهمهم للإسلام ووطنيتهم الصادقة أن يخضعوا أو يتلهوا بسفاسف المتع أو يتدارأوا بخطابات الإصلاح النظري.. هؤلاء هم الإخوان لمن يريد أن يعرفهم..