12 سبتمبر 2025

تسجيل

الأمراض النفسية والروحية

10 أبريل 2014

خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن صورة، وكرمه بالعقل عن بقية المخلوقات، فكان الإنسان بعد سن التمييز مكلفا ومخيرا، يبدأ يشق طريقه نحو الحياة بعد ذلك، مستبصرا نفسه وسماته الشخصية، ومدركا قدراته التي تؤهله لخوض غمار الحياة، ثم يأتي تميز هذا الإنسان عن بقية الناس من أصل معرفته لنفسه، وما أودع الله بها من قدرات، وما يتوق إليه من الكمال الذي يمنحه السعادة المطلقة، مرورا بسلبياته التي عليه أن يسعى جاهدا لرفعها حتى تصبح مزايا مع طول الصبر والأناة وتعلم مهارات الحياة المختلفة.بيد أن صروف الحياة وتقلباتها الكثيرة قد تنخر النفس البشرية نخر السوس، فتضعفها في بعض المحطات، وقد يصاب الإنسان بنوع من الخور في العزيمة والإرادة ويقع في لبس بين ما أصابه من الأمراض. ومن المشاكل الرئيسية التي تواجه الناس بأنهم يخلطون دائما بين الأمراض النفسية والروحية والجسدية، مثل الضغط والسكر وغيرها. والأمراض النفسية في تعريف الطب النفسي، هي أن قدرة الإنسان على الكفاءة الحياتية تتناقص بشكل ملحوظ وقدرته الإنتاجية تقل في العمل، سواء في الحياة الاجتماعية، أو الحياة الزوجية، أو غيرها نتيجة هذا المرض النفسي، وربما قد يكون ذلك بسبب نوبات القلق أو الخوف ونوبات الذعر المتقطعة أو المستمرة. إن هذه العلل النفسية ليست مرتبطة مباشرة بضعف الإيمان، فالمرض النفسي كالمرض العضوي يورث من الآباء إلى الأبناء أحيانا، حيث نجد هناك من يصاب بالاكتئاب رغم أنه لا يملك أي مشاكل، ولكن لأنه يملك استعدادا وراثيا ضخما للأمراض النفسية، كما قد تكون الظروف المحيطة سببا في الاكتئاب، وقد تكون في طريقة تصور الحياة لدى ذلك الشخص، فينفجر ذلك الإنسان مرة واحدة ويصاب بالاكتئاب. أما المرض الروحي فهو الغيبوبة التي يحياها الإنسان في علاقته مع الله عز وجل، فقد تجده يضحك ويأكل ويشرب، لكن عنده خواء روحيا يجده عند خلوته مع نفسه، ويشعر بأنه تائه لا يعرف أي وجهة في الحياة يسلك، وأن أغلب الطرق إما مسدودة أو غير ممتعة على الإطلاق، وهذه العلة لا تنفع معها العلاجات النفسية، أو اللجوء إلى الأطباء النفسيين، وإنما كان علاجها بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، من خلال الطاعات والعبادات التي تملأ هذا الفراغ الروحي، وهو الحل الجذري لهذه الأمراض الروحية، كما أن الاعتقاد الذي ينتمي إليه هذا الإنسان مهما كانت ديانته قد يقضي على هذا الخواء الروحي، فالالتزام بالطاعات والعبادات يؤدي إلى الإشباع الروحي لدى ذلك الإنسان (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا). ولكن علينا أن ندرك بأن التقوى تمنع الأمراض الروحية ولكنها لا تمنع الأمراض النفسية، والإيمان بالقضاء والقدر قد يخفف حدة الأمراض النفسية، ولكنه في أحيان أخرى قد يزيد المرض النفسي تبعا لتربية الإنسان الدينية، فمثلا قد يكون طبع ذلك الإنسان بأنه يخاف بشكل مبالغ فيه وكانت تربيته الدينية تعزز اكتئابه وتعزز إحساسه بالشعور بالذنب، وبذلك كانت طريقة تفكيره خاطئة، وليس الدين هو السبب بأي شكل من الأشكال، وأنا ما زلت أدعو إلى الإيمان بسيكولوجية القضاء والقدر إذا صح التعبير، واتباعها كحمية روحية ترفع مناعة الإنسان أمام المصائب وتحصنه من الهموم والأحزان طيلة حياته.وأذكر هنا حديثا ذكر في البخاري ومسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".إذا فالمؤمن التقي قد يصيبه المرض النفسي بشاهد هذا الحديث، وليس معناه أن المؤمنين يصابون أكثر من سواهم، ولكنها تعتمد على درجة التدين المعرفي في كثير من الأحيان. من أسباب الوقاية من الاكتئاب، خاصة ممن عنده الاستعداد الوراثي لذلك، هو أن نقوم برفع الحس الديني المعرفي، ورفع روح القيم والمبادئ عند أولادنا وطلابنا، ومراجعة العلاقة مع الله عز وجل، والتدريب على مهارات التعامل مع الضغوط، لأن إستراتيجية التعامل مع الضغوط تتيح للإنسان البعد عن القلق والخوف والحزن ما أمكن، وأذكر هنا شهر رمضان مثالا على مرحلة تدريبية لتعلم بعض المهارات الحياتية، فهو تدريب على ضبط الانفعالات والتحكم بالغضب، فيقول الإنسان عند الإساءة: اللهم إني صائم، شرط أن يكون الصبر بارتياح، لا الصبر بغضب، فالتعبير بالغضب دعوة للتعب لا دعوة للرضا، وليس فقط تعلم هذه الوسائل وإنما تعلم كيف نطبقها وكيف نتعلم الإستراتيجيات النفسية تبعا لهذه الضغوط، وحسب حالة ذلك الفرد.إن فهم الإنسان لنفسه ابتداء، وتعلمه للمهارات النفسية والحياتية المختلفة يقيه ولا شك من الأمراض النفسية بدرجة عالية، كما أن سلاح التقوى والالتزام بالطاعات والعبادات التي تناسب شخصية الإنسان وتزيد من تلذذه في العبادة أكبر الوسائل لصحة روحية متألقة، ولا شك بأن هذا كله يقلل من إصابة الإنسان بكثير من الأمراض العضوية التي تنشأ أصلا عن الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب والحزن.