17 سبتمبر 2025
تسجيلتصريحات مستشار الرئيس الإيراني قبل يومين في منتدى الهوية الإيرانية الذي عقد بطهران ، لا يجب أن تكون أو نعتبرها تصريحات عابرة لا تعني شيئاً ، بل إنما هي تصريحات عابرة للحدود ، وتريد أن تصل الى جهات محددة وإن لم تكن بصفة سياسية ، ولكن ضمن خلطة ثقافية من تلك الخلطات التي تقوم على تنفيذها المحاضرات والندوات الثقافية والفكرية هنا وهناك .. من أبرز ما جاء في تصريحات يونسي أن :" إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً ، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي .. " . السيد يونسي ما قال " تاريخياً " و " كما في الماضي " إلا إشارة واضحة ، لمن يعرف التاريخ ، حيث الإمبراطورية الساسانية التي توسعت في زمن ما ، فشملت كل العراق وأجزاء كبيرة من أفغانستان وأرمينيا ، وكل ساحل الخليج وساحل عمان وصولاً الى كل اليمن ونصف مصر وأجزاء كبيرة من تركيا . الإمبراطورية الساسانية بشكل مختصر ، توسعت كثيراً ولكن كغيرها من الإمبراطوريات ، بدأ ينخر فيها سوس الخلافات بين المتنفذين فيها ، فبدأت تضمحل تدريجياً ، حتى جاءت الضربة الخارجية القاصمة لها في معركتي القادسية ونهاوند ، فانهارت على يد جيوش أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 651 ميلادية . ما يجدر الانتباه الى تصريحات مستشار الرئيس الإيراني وتذكيره الضمني بالإمبراطورية الساسانية ، حين أراد بالتاريخ والماضي ، أنه لم يشر للدين هنا ولا للمذهب ، فكما يعلم دارسو التاريخ أن الامبراطورية الساسانية التي احتفى بها يونسي ويريد العودة إليها ، إنما أسسها كاهن زرادشتي كان يدعى ساسان ، وهو جد أول ملوك الإمبراطورية الساسانية . والزرداشتية هي المجوسية التي تقدس النار . إضافة الى ما سبق فإن تأكيدات يونسي كانت على الهوية أو القومية الإيرانية وهي نفسها الروح التي كانت عليها الإمبراطورية الساسانية . ما يعني أنه ربما في الاستراتيجية الإيرانية لا وجود للدين إلا كشعار يتم استخدامه لتحقيق أهداف جيوسياسية ، ويعمّق ذلك ، التركيز على المذهب أكثر فأكثر لمزيد من اضفاء الشرعية على استخدام شعار الدين . أما أقوى ما جاء في تصريحاته أنهم سيدافعون عن " شعوب المنطقة لأننا نعتبرهم جزءاً من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية "!ولم يترك السيد يونسي معسكراً إلا وسيخوض حرباً ضده من أجل حماية " شعوب المنطقة " والدفاع عنهم؟ وأبرز المعسكرات بالطبع " العثمانيون الجدد " ويقصد أردوغان وحزبه ، ما يعني أن هناك تحسساً مفرطاً من التحركات التركية نحو منطقة الخليج ، وفي الذاكرة الإيرانية أيضاً ، هزيمة شاه الدولة الصفوية على يد سليمان القانوني " العثماني " قبل خمسة قرون ، وانتزاع العراق من الصفويين بعد حرب دامت عقدين من الزمن . تصريحات يونسي لا يمكن أن تكون أبداً للاستهلاك الإعلامي أو الثقافي ، بل هي رسائل واضحة ومعدة سلفاً ، لمن يريد أن يربط الأحداث والوقائع التاريخية بالحاضر والمستقبل القريب ، للتبشير بمشروع قادم كبير ، فأين مراكز الأبحاث والدراسات " العربية " من ذلك وغيرها كثير ؟