14 أكتوبر 2025

تسجيل

السارة

10 مارس 2014

كان ثمة تغير جذري، يطرأ في البيت تدريجيا، فقد انتبهت السارة محارب، تحت ضغط جدتها التي لم تعثر على لص مناسب، لإيذائه في تلك الليلة، وتسلق حائط بيتها غلام في السابعة من عمره، تألم من لسعة العصا على ظهره، وفر بلا غنيمة، وتوجهت نحو حفيدتها، مذكرة إياها بانعدام الأنوثة لديها، وأشياء أخرى تدخل في سياق التشهير والتجريح، انتبهت إلى أنها بالفعل في متاهة، وأن عليها تغيير نمط طموحاتها، بحيث تستبعد موسوعة جينيس في الوقت الحالي، نسبة لصعوبة العثور على فكرة لم تطرق من قبل، بواسطة معتوه، وصعوبة تطبيق أي فكرة حتى ولو وجدت في هذه البلاد التي لا تقدر الطموحات، كان عليها أن تبحث عن مخرج جديد، يريحها ويريح جدتها. مسألة الغناء الوطني لم تعد تناسبها حقيقة، وقد استنفدت تقريبا كل أدوات النبش فيه، وخلصت إلى نتائج باهرة، ستنشرها ذات يوم على الملأ، لو أتيح لها ذلك، والبحث عن وظيفة أخرى بعيدا عن عمداء الكليات الذين يحبون وجه المرأة، أكثر من حبهم لنشاطها، أمر ستفكر فيه بلا جدال. أرادت أن تتحقق بجدية، إن كانت بلا أنوثة بالفعل كما يقولون، أم أنها مجرد ثرثرة عائلية، لا ترتقي إلى تصديقها. الغريب أنها فعلت ذلك من قبل، ليس مرة واحدة، بل عدة مرات، وبنفس جدية اليوم، وتأكدت، وتريد الآن أن تتأكد أكثر. كان في ذهنها شاب ثرثار اسمه جعفر سعيد، ويلقبونه بسقراط، ويعمل محررا في القسم الثقافي بإحدى الصحف المحلية. وشاهدته عدة مرات في المكتبات المتعددة، حين كانت تذهب لشراء الدواوين الشعرية بغرض نبشها، أو تقليب موسوعة جينيس الغالية، التي لا يشتريها أحد، والتي استعارتها بعد ذلك من المكتبة العامة. استوقفها سقراط ذات يوم، غير عابئ بمظهرها الخشن، وقلم الرصاص الذي تضعه خلف أذنها، كما يفعل النجارون. في البداية خاطبها بلقب أختي الآنسة، ربما كان ذلك نابعا من سلاسة في طبعه، وربما تملقا، وكان لسقراط نوعان من المحيطين به. بعضهم يعتبره سلسا ودافئا، أبرزهم أمه، والبعض الآخر يعتبره شديد التملق، أبرزهم رئيس تحرير الصحيفة التي يعمل بها.قال: أختي الآنسة صباح الخير، هناك صنفان من النساء، صنف رائع، وصنف أشد روعة، وأنت من الصنف الأخير.بهرتها عبارته بشدة، برغم تطفله عليها، وكانت في تلك اللحظة، تراجع فهرس القصائد في ديوان، صالح ولد جقود، الشاعر الشعبي القديم، لترى هل نظم فعلا تلك القصيدة المبتذلة(سك سك)، التي أشيع أنه قد نظمها، أم كانت القصيدة مدسوسة على شعره. ابتسمت، وكانت ابتسامة من النوع المغري لمواصلة الحديث، سألته:- كيف عرفت أنني أشد روعة؟- لا تفوح منك رائحة المطبخ، وأجزم أنك لا تجيدين حتى فتح علبة سردين.لقد أوقعها، والسارة الملقبة سحلية كان من أكثر إخفاقاتها في الدنيا، أنها حاولت أن تفتح علب السردين مرارا، وجرحت يدها. يا له من مدهش ومكار، هذا المنكوش الشعر، الذي يغازلها. أرادت أن تمضي معه في حديث متنوع، ولها وجهة نظر في المغازلين، وهي أن يسمعوا الأقبح من الحديث، قبل أن يتمادوا:- يلقبونني بالسحلية