22 سبتمبر 2025
تسجيلعندما سأل أحد المذيعين بإحدى الفضائيات الجماهير بأحد ميادين العاصمة المصرية عن رأيهم في ارتفاع معدلات التضخم، كانت إجابة كثير منهم تشير إلى عدم معرفتهم لمعنى التضخم، وعندما عدل المذيع سؤاله عن رأيهم في ارتفاع الأسعار، كانت الإجابات محددة وواضحة معبرة عن تصوراتهم تجاه ارتفاع الأسعار. وهكذا لا يعرف كثير من العوام معدلات التضخم، والتي يهتم بها رجال الأعمال والمستثمرون عند اتخاذ قراراتهم بالاستثمار في بلد ما، والتي يهتم بها المصرفيون لتحديد أسعار الفائدة على الودائع، والتي يتابع الاقتصاديون تطورها نظرا لارتباطها بالتأثير على مستوى المعيشة خاصة للفقراء، حيث تشير إلى معدل تآكل القيمة الشرائية للنقود. إلا أن أرقام التضخم الرسمية لا تجد ارتياحا من قبل العوام، حيث يشعرون أن المعدلات الحقيقية لارتفاع الأسعار أكبر مما تعلنه الجهات الرسمية، والتي تقوم بتحديد سلة السلع والخدمات التي يتم على أساسها احتساب التضخم، ومن خلال أوزان نسبية لتلك السلع والخدمات في تلك السلة، وهي الأوزان التي تختلف في الواقع من شريحة اجتماعية إلى أخرى، حسب المستوى الاقتصادي. فقد تستهلك أسرة اللحوم بكميات مرتفعة بينما يندر تناولها لدى أسرة أخرى، وقد يزداد نصيب الترفيه من إنفاق إحدى الأسر بينما يكاد ينعدم ذلك البند لدى أسر أخرى، وقد تستهلك أسرة كمية كبيرة من الوقود لتعدد ما تملكه من سيارات خاصة، بينما لا تملك أسر أخرى ولو حتى دراجة. حتى قيل إن كل أسرة تكاد تكون لها سلة خاصة لاستهلاكها من السلع والخدمات، ومن هنا فإن ما يتم إعلانه من أرقام للتضخم يعبر عن متوسطات عامة، قد تبتعد كثيرا عن الواقع المباشر لآلاف الأسر خاصة من معدومي الدخل، الذين ينفقون على الطعام والشراب غالب دخلهم. - كذلك لا تجد بيانات البطالة التي يتم إعلانها من قبل كثير من الأجهزة الرسمية العربية قبولا لدى العوام، عندما تتحدث عن نسب لا تتفق مع الواقع الذي يعيشونه، وبالتدقيق في تلك البيانات يتضح أن التعريف الذي يتم احتساب أرقام البطالة على أساسه لا يتسق مع واقع معظم المجتمعات العربية. حيث يعتبرون المشتغل هو من عمل ولو لساعة واحدة في الأسبوع السابق على مسح البطالة، وبالتالي يخرج ملايين العاطلين من إطار البطالة الرسمي، وهو أمر قد يصلح لمجتمعات متقدمة تقدم إعانات للبطالة وخدمات صحية مجانية، بينما أجر عمل ساعة في مجتمعاتنا لا يكاد يكفي لشراء وجبة من الطعام، بل إن غالب جهات العمل لا تتبع أسلوب العمل بالساعة وإنما باليوم أو الأسبوع أو الشهر. وروى مدير عام بأحد البنوك المصرية أنه قد سجل حوارا تلفزيونيا، وفي توقيت إذاعة ذلك الحوار دعا والده المسن لرؤيته وهو يتحدث عن الواقع الاقتصادي بالتفصيل، وجلست الأسرة تتابع الحوار وبعد انتهائه سأل المصرفي والده عن رأيه فيما قاله، وكانت الإجابة الصادمة للابن.. قال الأب إنه لم يفهم شيئا مما قاله المصرفي من أرقام ومؤشرات. وعقّب الرجل المسن قائلا إن ما أفهمه أن أدير صنبور المياه فتخرج المياه، وأدير مفتاح الكهرباء فتضاء الحجرة، وأقف في طابور الخبز لأجد الخبز متاحا، وأصعد إلى الأتوبيس فأجد مقعدا أجلس عليه، وأن هذا هو الاقتصاد الحقيقي الذي يعرفه. ومن هنا فقد ذكر متخصصون أن ما يتم نشره من معدلات للنمو الاقتصادي لا تلقى استحسانا لدى العوام، طالما لم يجدوا تغييرا ملموسا في حياتهم اليومية، فعندما يجد رب الأسرة ابنه وأبناء جيرانه وأقاربه بلا عمل لسنوات، ويسمع عن تحقيق معدل جيد من النمو الاقتصادي فمن المؤكد أنه لن يصدق ذلك، وعندما يجد دخله غير كاف لتغطية احتياجات الأسرة من الطعام فلن يكترث كثيرا بتلك الأرقام عن النمو. ومن هنا فقد استعاض بعض الباحثين عن معدلات النمو بما يسمى اقتصاد السعادة، من خلال التعرف على مدى ما تحقق من إسعاد للمواطنين نتيجة القرارات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومات، فإذا تسببت تلك القرارات في رفع معدل سعادة المواطنين فقد حققت أثرها. وعندما ذكر وزير استثمار مصري أرقاما ضخمة بعشرات المليارات من الدولارات، للاستثمار الأجنبي المباشر خلال فترة توليه السلطة، لم تجد تلك الأرقام تصديقا لدى عموم المواطنين، وكانت وجهة نظرهم أنه لو كانت تلك البيانات صحيحة لكانت قد زادت من فرص العمل ولكانت قد امتصت جانبا من البطالة. ولو كانت صحيحة لزادت من المعروض من السلع والخدمات والذي كان سينعكس على استقرار الأسعار، ولو كان إنتاج السلع والخدمات قد زاد فمن الطبيعي أن ينعكس على معدلات العجز بالميزان التجاري، ونظرا لاستمرار معدلات البطالة العالية والارتفاعات بالأسعار والعجز بالميزان التجاري، فمن المؤكد أن تلك الأرقام الخاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر غير صحيحة. الأمر نفسه حين لا يصدق العوام في المناطق السياحية ما يتم إعلانه عن أعداد السياح الواصلين وعن الإيرادات السياحية التي تحققت، مؤكدين أنه إذا كانت تلك البيانات صحيحة لشعر بأثرها أصحاب المطاعم والمقاهي ومحلات البقالة، وغير من الأنشطة التجارية التي من المفترض أن يتعامل هؤلاء السياح معها، أما أنه لم يحدث تغير ملموس في مبيعات ودخول أصحاب تلك الأنشطة التجارية فلا يمكن تصديق تلك البيانات السياحية.