17 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن هو المؤتمر الأول الذي انعقد على مدى يومين في باكو فقد سبقه مؤتمران في اسطنبول نفسها. الفكرة جديرة بالتقدير والدعم ولكن أيضا بالتطوير. إنه مؤتمر يجمع عددا كبيرا في مراكز الدراسات في الدول التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي. ويسعى لتشكيل أرضية أو منتدى لهذه المراكز لتبادل"عصف الأفكار" كما بات المصطلح شائعا. الفكرة كما التنظيم بنات أفكار مركز "تاسام" في تركيا. وهو قريب من حزب العدالة والتنمية. المؤتمر الثالث في باكو شارك في تنظيمه مركز "سام" الأذري التابع أيضاً للسلطة في أذربيجان. من الوهلة الأولى يمكن الاعتقاد أن المؤتمر رسمي ومن تنظيم ورعاية منظمة التعاون الإسلامي. لكن هذا غير صحيح. هناك تعاون معها وتسهيلات. وربما يكون اسم المنتدى يحمل بعض "التذاكي" من خلال التسمية "منتدى مراكز الدراسات في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي". في ذلك رغبة في رعاية غير مباشرة منها. وربما استفادت مراكز الدراسات التركية المنظمة للمؤتمر من وجود تركي هو أكمل الدين إحسان أوغلو على رأس المنظمة خصوصا أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو كان يردد أن على تركيا أن تكون حاضرة في كل المؤسسات الإقليمية والدولية عبر شخصيات تركية مباشرة أو عبر وسائل أخرى. الفكرة التركية المنشأ يمكن أن تكون فرصة لتطويرها لتتحول إلى إسلامية شاملة بمعنى أن يكون حتى التنظيم بالشراكة بين مراكز دراسات عدة في العالم الإسلامي وعدم اقتصار، أو احتكار، ذلك على فئة دون أخرى. الفكرة رغم سنتين على بدئها لا تزال في مرحلة "العصف الخجول" للأفكار. عشرات الكلمات من باحثين في مهلة زمنية لا تتجاوز الدقائق بالكاد تكفي لتمرير عنوان الفكرة. ربما يكون المؤتمر المقبل في القاهرة، وبعده في العراق ثم في باكستان، أكثر تبلورا وإبرازا للمشكلات العميقة والجديدة التي يعاني منها العالم الإسلامي وتتطلب إجابات"فكرية" من مراكز"الأدمغة". وحده مهاتير محمد كانت له مكانة مميزة في المؤتمر. كان ضيف الشرف وله "محاضرة" المؤتمر حيث تكلم بإيجاز وبلاغة وعمق خلال نصف ساعة عن التجربة المهاتيرية في الاقتصاد والإدارة والتنمية. وكان واضحا أنه لا يولي أهمية للنظريات السياسية حيث إن الصين مثلا هي مثل القط لا يهمها لونه أكان أسود أم أبيض فالمهم أن يصل إلى هدفه في القبض على الفأرة كما قال مهاتير. وهكذا نحّت الشيوعية جانبا ونجحت في تنمية لتصل إلى القوة الاقتصادية الثانية في العالم. من الواضح أن مهاتير محمد، الذي أثقلته السنين، يركّز على عاملي التصنيع الذي يستطيع أن يشغّل أكبر عدد من العمال بخلاف الزراعة والشخصية القيادية للزعيم الذي يجب أن يحمل رؤية وأن يعرف كيف ينفّذ هذه الرؤية. مهاتير محمد الذي أجاب على أسئلة الحضور كلها تجاهل الإجابة عن السؤال الوحيد المتصل بالقضية الفلسطينية حول تهويد إسرائيل للقدس رغم أن البعض ذكّره بالسؤال مرة ثانية. هذا يقود إلى فلسطين التي كانت شبه غائبة عن كلمات المشاركين خلا قلة اشمأزت من غياب فلسطين فأدخلتها عنوة في مداخلاتها. مسألة فلسطين تحتاج إلى عناية أكبر بكثير من المنظمين في الفترة المقبلة وربما يكون محور المؤتمر المقبل عن فلسطين ومن قلب القاهرة بالذات. يرى البعض أن أذربيجان تتحول إلى "قاعدة" إسرائيلية بمعنى التأثير الجيوبوليتيكي وأهميتها لإسرائيل. أذربيجان مهمة لإسرائيل طبعا في مواجهة إيران وهذا أمر مفروغ منه. لكن التغلغل الإسرائيلي في أذربيجان والقوقاز عموما يتصل أيضا بقوى أخرى على الأرض هي تحديدا أرمينيا وتركيا. تتحدث المعلومات عن وجود تحالف استراتيجي غير معلن بين باكو وتل أبيب، أولا ضد إيران من جهة إسرائيل، وثانيا ضد أرمينيا من جهة أذربيجان. مؤخرا تم توقيع اتفاق عسكري بقيمة مليار وستمائة مليون دولار بين البلدين لتزويد أذربيجان برادارات ضد الصواريخ تشبه رادارات الدرع الصاروخية الأطلسية في ملاطية بتركيا وبطائرات من دون طيار وبالطبع هذه موجهة ضد إيران وبأسلحة أخرى وتدريبات تريدها أذربيجان ضد أرمينيا التي تحتل أجزاء مهمة من الأراضي الأذرية. لكن المفارقة أن التغلغل الإسرائيلي يحمل من جهة أخرى اقتحاما لمنطقة نفوذ مادية ومعنوية لتركيا. حيث أن تركيا ترى في التعاون العسكري الإسرائيلي الأذري إضعافا للنفوذ التركي خصوصا في ظل سعي إسرائيل للبحث عن مناطق نفوذ جديدة تعوّض خسارة التحالف الاستراتيجي مع تركيا بسبب حادثة سفينة مرمرة. ومن ملامحها البارزة التحالف الإسرائيلي مع قبرص اليونانية ومع اليونان وبلغاريا ورومانيا واليوم استمرار للتعاون مع أذربيجان وجورجيا. تتحول أذربيجان إلى منطقة للصراع بين القوى الإقليمية والقوى الدولية وفي رأس الأخيرة روسيا والولايات المتحدة. إذ ليس سهلا أن تكون محاذيا جغرافيا لقوى كبيرة مثل روسيا وإيران وتركيا معطوفا على ثروة خيالية من النفط والغاز الطبيعي الذي يكاد يحيل خليج باكو إلى مياه رمادية. ولا تخجل أذربيجان من تحالفها مع إسرائيل إذ تقول إحدى الباحثات الأذريات البارزات إنه رغم اعتراض البعض من الجيران "سنواصل تعاوننا مع إسرائيل على الصعيد العسكري". والمقصود بالجيران قد يكون إيران التي احتجت رسميا لدى باكو على تعاونها مع إسرائيل، وقد يكون المقصود أيضاً أرمينيا.