22 سبتمبر 2025
تسجيلفي سباق مع الزمن المنضبط على إيقاع المتغيرات الناتجة عن تفاعلات الربيع العربي في المنطقة عموما وسوريا خصوصاً، يحاول رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري ومن معه الاستفادة القصوى مما نتجته الفرصة التاريخية النادرة الذي هلّت على عاصمة الأمويين دمشق. فالجميع يعلم حجم المعاناة والتهميش والقضم الذي تعرض له "تيار المستقبل"، ومن قبل اغتيال مرشده ومؤسسه رفيق الحريري الذي قضي عليه مغدوراً في 14 فبراير عام 2005، ولم يمض وقت طويل حتى اتهم تيار المستقبل وعلى لسان جميع قياداته دمشق بالمسؤولية الكاملة في اغتيال الحريري الأب ومن ثم إسقاط حكومة الابن في العام 2010. اليوم، وبعد عجز مقعد دام لعقدين تحت المطرقة السورية، يلتقط الحريري الابن أنفاسه فيشتمّ ريح النصر القادم من دمشق، وتأخذه النشوة بما ينتظره من مجد محقق في العودة للحكومة دون أن يستطع أحد أن يخرجه منها هذه المرة طالما أن الوصي السوري دخل مرحلة الموت السريري بعد أن نعاه شعبه. انطلاقاً من الخلفية السابقة، يعمل الحريري على تهيئة حزبه "المستقبل" للاستحقاقات القادمة وفي هذا الإطار، أطلق في السابع من الشهر الجاري "الوثيقة السياسية" لتياره تحت عنوان "تيَّار المستقبل وآفاق الربيع العربي". وتحمل الوثيقة، التي جاءت في 17 ورقة، رؤية شاملة لما يراه ويريده الحريري من تياره أن يسلكه في قادم الأيام في إطار برنامج عمل سياسي متكامل. وتنطلق الوثيقة من مسلمتين، أولاهما: السقوط الحتمي للنظام السوري مهما طال عمر الأزمة، ووضع "حزب الله" أمام خيار أوحد ألا وهو تسليم سلاحه للدولة، دون أن تغفل القلق الوجودي للمسيحيين، فتدعو إلى التعايش المسيحي الإسلامي في إطار المناصفة السياسية. ما سبق يدركه الجميع، لكن ما قد يخفى على البعض أن التحديات التي تواجه "المستقبل" لا تختزل فقط في ملفي النظام السوري وسلاح حزب الله على أهميتهما، وإنما أيضاً في ضبط إيقاعه الداخلي وتنظيم صفوفه في إطار رؤية واضحة تحمله من مصاف التيار الجارف إلى الحزب المؤطر سياسياً واجتماعياً. وإذا كان التيار يدرك هذا التحدي ويعمل على علاجه، فإن هناك تحديات مستجدة جرفتها معها سيول الربيع العربي الخصب، مثل تبوء التيارات الإسلامية سدّة الحكم في الدول التي مرّ ببابها الربيع، ما يخلق له منافسين جدّيين ينافسونه على اقتسام الشارع السني الذي يتسيده منفرداً حالياً. وبما أن لبنان متأثر دائماً بالتحولات التي تضرب سوريا، ومركبه لا يكاد يخطئ المنارة السورية فيفترض إذا نجحت الثورة السورية وتقدم الإخوان أو خليط إسلامي إلى الحكم أن ينعكس ذلك على شعبية كلّ من الجماعة الإسلامية المنبثقة من حركة الإخوان المسلمين والتيار السلفي الذي يشهد صعوداً ملحوظاً. وبعبارة أخرى فإن شعبية تيار المستقبل مهددة بقدر ما ينتظر خصومه من ضعف تحت ضربات الربيع العربي. وإذا ما انزلقت سوريا إلى حرب أهلية، فإن من المرجح أن يسود التشدد الشارع السني اللبناني الذي يتألم لارتكاب النظام السوري المجازر بحق شعبه، وبالتالي قد يلجأ إلى الجماعات الإسلامية التي توصف بالمتشددة مثل التيارات السلفية على اعتبار أنها المؤتمن على حماية الطائفة من أي اعتداء، وقد أثبتت هذه التيارات بعضاً من ذلك في حرب التبانة- حبل محسن. وإذا ما استرجعنا اعتصام السلفيين يوم الأحد الفائت في العاصمة بيروت نصرة للشعب السوري وتنديدا بالمجازر التي يرتكبها "النظام النصيري" بحق أهل السنة في سوريا على حد وصف السلفيين، فإن القلق على مستقبل التيار ليس من الذكاء الاستخفاف بها أو التقليل من خطورتها. ومن المفارقات أن "المستقبل" حاول التسويق لنفسه أمام حلفائه المسيحيين وخصومه (حزب الله والسوريين) أنه تيار اعتدالي في الشارع السني وأن أي محاولة لتقويضه ستفسح الطريق أمام التيارات الأصولية. هذه المقولة كان يهمس بها قيادات التيار في آذان المعنيين حين كان النظام السوري يحاول حبس الهواء المتغلغل إلى رئتي "المستقبل" في المناطق التي يكتسب فيها شعبية، مستفيدا من خبراته الطويلة في تدجين الطوائف اللبنانية وقياداتها. فما الذي سيفعله "التيار" أمام هذا التحدي، وهو أمر يجتاح المنطقة العربية كلها من المحيط إلى الخليج؟