12 سبتمبر 2025

تسجيل

الواقعية السياسية.. في ظل الثورات العربية

10 مارس 2011

رئيس وزراء العدو "نتنياهو" صرح قبل يومين أنه بصدد إعداد خطة سلام جديدة، أتى ذلك متزامنا مع تصريحات لـ "يهود باراك" وزير الدفاع في حكومته قال فيها: إن بلاده قد تطلب زيادة المساعدات العسكرية الأمريكية لها بـواقع 20 مليار دولار، على خلفية "الاضطرابات" التي تجتاح العالم العربي، وأن قادة مصر الجدد قد يلتزمون في الوقت الراهن بمعاهدة السلام مع "إسرائيل" إلا أنهم قد يستسلمون في النهاية للضغوط الشعبية ضدها، وقال: إن مسؤولا مصريا رفيعا حذره مؤخرا من احتمال أن تغير الحكومة الجديدة في القاهرة موقفها تجاه "إسرائيل" إلا إذا بذلت الأخيرة جهودا جدية لتحقيق السلام مع الفلسطينيين (لاحظ التخوف الأمني في كلامه، ولاحظ تخوفه من أن تنجح الثورة المصرية، ولاحظ محورية ما أسماه الاضطرابات في هذا التخوف، ولاحظ المحصلة المطلوبة – جهود جدية لتحقيق السلام) أما اللواء احتياطي في جيش العدو "عوزي دايان وزعيم حركة تفنيت والرئيس السابق لما يسمى "مجلس الأمن القومي الإسرائيلي" والمقرب من بنيامين نتنياهو فقد قال: يتعين على "إسرائيل" في ضوء حالة عدم الوضوح القائمة حاليا في المنطقة، أن تأخذ زمام المبادرة للقيام بما يخدم مصالحها، مثل تلقف الاتصالات مع سورية، ودفع عجلة الحل الإقليمي التي من شأنها خلق نظام مشترك يضم المملكة الأردنية الهاشمية والفلسطينيين، والأجزاء الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، واعتبر ذلك هو المفتاح للحل الاستراتيجي في المنطقة.. (لاحظ العمه السياسي الذي يعبر عنه قوله "حالة عدم الوضوح" ولاحظ أنه يرى الثورات العربية قد أمسكت بزمام المبادرة وهو يدعو لاستعادته، ولاحظ تخوفه من حلف مصري سوري لبناني فلسطيني وربما يصير أردنيا أيضا، لذلك دفع باتجاه اتصالات مع سوريا التي تمادوا كثيرا في تجاهلها والاستعلاء عليها – ولذلك أيضا وضع استحضر دورا للأردن دورا بعد كل العزل عن الشأن الفلسطيني الذي مارسه عليه منذ إقامة سلطة منظمة فتح والتي اكتفى بها عن أي دور أو شريك آخر ولو من قبيل اللياقة الدبلوماسية). من يرصد لغة خطاب العدو الموجه إلينا أو الموجه للرأي العام الصهيوني يجده يأخذ منحى استراتيجيا يؤكد أنهم في قلق حقيقي وأنهم يشعرون بخطر جدي من التغيرات والتحولات الجارية من حولهم والتي دأبوا على وصفها بالزلزال.. هم يحاولون تطمين أنفسهم بالقول إنها تحولات ديموقراطية تتفق مع ديمقراطية "إسرائيل"! وإنها على المدى البعيد ستوحد جهودهم مع العالم ضد الإرهاب، وإنها ستقرب وجهات نظرهم مع الغرب.. وإنها سترفع من قيمة وجود "إسرائيل" في المنطقة.. إلى غير ذلك من تصريحات هي أقرب للمعالجات النفسية والأمنيات والخيالات السياسية. جدير هنا أن نتذكر ما قاله بن جوريون – أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني – في مذكراته من أن كيانه يجب أن يقوم على ثلاثة مقومات وتتحكم في إمكانية بقائه؛ وهي "الهجرات الصهيونية، والاستيطان، والاندماج في المحيط العربي"؛ وجدير أن نلحظ ما بينها من تناقض نظري، يفترض أن يستتبع تناقضا واقعيا وعمليا فالهجرات والاستيطان اللذان هما التجسيد الواقعي للاحتلال لا يتفقان ولا ينسجمان مع التطبيع الذي هو السلام والرضا.. ومن هنا كانت "إسرائيل" دائما تدعو للسلام وإن لم تأته، ولهذا أيضا قبلت بإرجاع سيناء لمصر كثمن للتطبيع وإزالة التناقض بين مقومات وجود وبقاء الكيان، ولهذا أيضا اعتبر قادة العدو – حاييم وايزمن – معاهدة كامب ديفيد بوزن يوم إعلان دولة "إسرائيل". الذي حدث بعد ذلك من جهة سلطة منظمة فتح والنظام المصري "الساقط" ونظم أخرى سقوطها على الطريق – إن شاء الله – هو أنها قبلت بالتطبيع والاندماج ووفرت للعدو المقوم الثالث في ظل استمرار الاستيطان والهجرات.. هنا بالضبط تأتي قيمة وأهمية بقاء هذه النظم بالنسبة للعدو، وجريمة وخطورة بقائها بالنسبة لنا، وبه نفهم تخوف الصهاينة من زوالهم، وعظم الأمل والاستبشار المترتب على زوالهم بالنسبة لنا، وهنا أيضا تأتي قيمة وجدوى عملية التسوية بالنسبة للعدو (كعملية وليس كتسوية) لأنها أطلقت التطبيع والاندماج بل التعاون تحكما واعتداء على الحقوق الفلسطينية واستهانة واستخفافا بمعاني القومية وقيم الوطنية وانتهاكا لأسماء وتاريخ وكرامة دولنا وشعوبنا.. ولعل هذا يفسر كلام الطيب عبد الرحيم في أول أحداث ثورة 25 يناير المصرية عندما قال "إن سقط النظام المصري سقطت السلطة الفلسطينية!". قد يقال: وما الذي سيمنع من أن يقع تحريف وتلويث الثورات العربية الحالية كما حرفت ولوثت ثورات الاستقلال الأول أواسط القرن الفائت؟ خاصة وأننا نرى محاولة لإشعال فتنة طائفية في مصر تخلط الأوراق وتحرق الأخضر واليابس.. وأقول: كل هذا ممكن ولا يجوز الاستخفاف بخطورته.. ولكنه محكوم بالفشل وهي لا أكثر من أمنيات للعدو.. وضمانة ذلك أن الثورات الجارية شعبية عامة وعارمة وشاملة، وأن شعوبنا عرفت طريق العزة واكتشفت أنها تستطيع في أيام وبتضحيات قليلة تغيير نظم متمكنة وأن تستعيد ثقتها بنفسها وقدرتها على تنصيب النظم والحكام ونزعهم وعلى تشكيل الحكومات وعزلها، وعلى رسم السياسات والمواقف الوطنية والقومية والمحاسبة عليها، والضمانة أن شعوبنا التي كثيرا ما حدثوها عن الوطنية والإخلاص الوطني رأت بأم عينها كيف تسرق مئات المليارات من قوتها لفلان وابنه وحفيده، ورأت أحزابا كانت تظنها متجذرة ومتمكنة (كالحزب الحاكم في مصر وتونس وكاللجان الثورية في ليبيا) رأتهم أهون من أن يثبتوا أسبوعا واحدا بدون الحاكم، ورأت وزارات يفترض أنها وطنية صارت تتهم بتفجير الوحدة الوطنية والتحريش بين الناس والطوائف والمذاهب.. ورأت كتابا ومطبلين كانت ألسنهم طوالا ووقاحتهم موصوفة رأتهم ينهارون وينافقون ورأتهم في غاية السخف والتهتك القيمي والأخلاقي عندما ينقلبون على ولي نعمتهم ويبصقون على من أقامهم في منابرهم.. فما عادت لغة الإنشاء العاطفي تعني لشعوبنا أكثر احتمالية أن تخفي تحتها من الخيانة واللصوصية ما هو خطير وكبير.. الضمانة أيضا أن شعوبنا خبرت العدو وطريقته في التملص من الالتزامات والاتفاقات ورأت ما انتهت إليه عملية التسوية المهينة من فشل وعبث وتغطية على الاستيطان والتهويد وما انفضح من مستور سلطة منظمة فتح ورموزها والنظم الداعمة والمورطة لها.. فسقطت شعارات (سلام الشجعان، والضوء في آخر النفق، والربع ساعة الأخير، وخذ وطالب..) وما عادت تنطلي على الناس مقولات: (المقاومة السلمية، والرأي العام الدولي..). آخر القول: إذا أضفنا لتخوفات العدو من الثورات العربية الحالية فشل أمريكا في العراق وأفغانستان ونظرنا للنزول الحاد في الخط البياني للاحتلال الصهيوني واستحضرنا التغيرات في المربع الاستراتيجي التركي لصالح قضايانا وأمتنا بعد حكومة حزب العدالة الإسلامي.. إلى غير ذلك مما لا مكان لحصره من المؤملات.. فإن ما أشار إليه السيد خالد مشعل "رئيس مكتب سياسي حماس" من أنهم بصدد وضع تصور شامل للمرحلة القادمة يعلي شأن المقاومة قد صار لغة أقرب إلى منطق الواقعية السياسية من منطق الذين يجترون الخصومات ويلوكون مصطلحات التسوية ويتوهمون الهزيمة.