11 سبتمبر 2025

تسجيل

العلاقات القطرية المغربية.. ثابتة لا متغيرة

10 فبراير 2022

شهدت الدوحة الاثنين الماضي انعقاد الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة القطرية المغربية، برئاسة معالي الشيخ خالد بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ورئيس الحكومة المغربية السيد عزيز أخنوش، لقاء كُلل بالتوقيع على ست اتفاقيات ومذكرات تفاهم في قطاعات مختلفة لتُترجم مستوى التعاون المشترك بين البلدين. ولعل حضور عدد هام من وزراء الحكومة المغربية المعينة حديثاً من قبل الملك محمد السادس، وجُلهم شباب، يجد تفسيره في إرادة قيادتي البلدين لتجديد دماء العلاقات الاستراتيجية. علاقات لم تُؤثر عليها المتغيرات الجيوستراتيجية التي شهدها العالم العربي عموماً ومنطقة الخليج بشكل خاص على مدى العقود السابقة، أولا بحكم العلاقات الشخصية التي تربط الملك محمد السادس بأخيه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مثلما ربطت الملك الراحل الحسن الثاني بحكام قطر، وثانيا لتميز كلا البلدين بالسيادة في اتخاذ القرار وتقارب وجهات النظر حول العديد من الملفات الإقليمية والدولية. هذا ولطالما كانت العلاقات المغربية-الخليجية علاقات قوية تاريخياً، جسدها وقوف المملكة المغربية إلى جانب دول الخليج في أحلك ظروفها؛ انطلاقاً من الاجتياح العراقي للكويت سنة 1990 وصولاً إلى الأزمة الخليجية لسنة 2017، إلى أن تمت المصالحة الخليجية القطرية في قمة العلا بالسعودية في يناير من السنة المنصرمة، وهي القمة التي أفردت في بيانها باباً خاصاً بعلاقتها الاستراتيجية مع المملكة المغربية جاء فيه: "أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، ووجه بتكثيف الجهود لتنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة الاستراتيجية بينهما، كما أكد على مواقفه وقراراته الثابتة في دعم سيادة المغرب ووحدة أراضيه، معرباً عن تأييده للإجراءات التي اتخذتها المملكة المغربية الشقيقة لإرساء حرية التنقل المدني والتجاري في المنطقة العازلة للكركرات في الصحراء المغربية، ورفض المجلس أي أعمال أو ممارسات من شأنها التأثير على حركة المرور في هذه المنطقة". واليوم، تُعيد الدوحة التأكيد على الموقف ذاته خلال اجتماع اللجنة العليا المشتركة المغربية القطرية في دورتها الثامنة، حيث جددت القيادة القطرية دعمها لمغربية الصحراء، مشددة على أن أي حل لهذه القضية لا يمكن أن يكون إلا في إطار سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية والوطنية. وهو موقف يُفند كل التشويشات غير الرسمية التي صدرت عن جهات معلومة تبتغي زعزعة الثقة المتبادلة بين البلدين. وإذا ما ربطنا زيارة الوفد الحكومي المغربي لملعب "البيت" واطلاعه على آخر استعدادات دولة قطر لاستضافة كأس العالم 2022 وعلى البنيات التحتية الرياضية المشهود لها عالمياً بجودتها بالتوقيع على البرنامج التنفيذي الثاني في مجال الرياضة لاتفاق التعاون بين الحكومتين في مجال الشباب والرياضة للأعوام 2022 و2023 و2024، وعلى مشروع البرنامج التنفيذي الثالث في مجال الشباب لاتفاق التعاون بين الحكومتين في مجال الشباب والرياضة حتى 2024 بحضور وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي المهدي بنسعيد فإننا نلمس حرصا على تقاسم التجارب بين البلدين في المجال الرياضي كل حسب ما راكمه من خبرات وما حققه من إنجازات. وأعود هنا لسنتين مضت، فبراير 2020، حين جددت المملكة المغربية، في بلاغ لوزارة الداخلية حينها، دعمها لدولة قطر وأكدت على استعدادها لتقديم كافة الإمكانات والوسائل البشرية واللوجستيكية من أجل إنجاح تنظيم كأس العالم بفضل التجربة التي راكمتها قطاعاتها الأمنية، من مصالح الأمن الوطني والدرك الملكي، في مجال تدبير وتأمين التظاهرات الرياضية الدولية الكبرى، رهن إشارة الأشقاء في دولة قطر. ولعل الرمزية التي ميَّزت أعضاء الوفد الوزاري المغربي الرفيع المستوى، هو حضور وزيرتين أسندت لهما حقيبتان استراتيجيتان يعول عليهما في كل من الانتقال الرقمي والطاقي للمملكة المغربية: ليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة وغيثة مزور الوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، وهي الرمزية التي لا يمكن أن تفسر إلا على أنها إرادة ورؤية حكيمة من قبل القيادتين لمسايرة رهانات العالم البيئية والرقمية الجديدة. لقد نجحت الدبلوماسية المغربية ونظيرتها القطرية في الإبقاء على نفس النسق الحيوي لعلاقاتهما الاستراتيجية بناء على محددات تاريخية وسياسية ثابتة مع الاحتكام لبراغماتية المتغيرات الدولية والاقليمية والتي تحتم على البلدين التعزيز الدائم لتشاورهما وتنسيقهما، والمأمول أن مخرجات الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة القطرية المغربية وما حفلت به من اتفاقيات ومذكرات تفاهم اقتصادية واستثمارية ستعزز التعاون الاستراتيجي الذي يجمع البلدين مثلما ستفتح آفاقا جديدة ستنعكس لا محالة على الفرص الاستثمارية بكلا البلدين. هنا تكمن إذاً خصوصية العلاقات القطرية-المغربية، علاقات ثابتة لا متغيرة. كاتب باحث ومحلل مغربي