15 سبتمبر 2025

تسجيل

آفة العصر.. مسؤولية من؟ وكيف نواجهها؟

10 يناير 2015

مرة أخرى يضرب الإرهاب وبقوة وبدون سابق إنذار وبدون رحمة وإنسانية دولة عظمى، الإرهاب أصبح آفة العصر بامتياز يضرب أينما يشاء ومتى يشاء وكيفما يشاء، الكل مهدد ولا يوجد هناك فرق بين الدول العظمى والدول الصغيرة أو النامية أو غيرها، الكل مهدد والكل عاجز على تجنب همجية الإرهاب ووحشيته، ما حدث في فرنسا من هجوم وحشي على صحيفة "شارلي بيدو" ليس بمفاجأة أو شيء جديد على عالم الإرهاب، فخلال العشرية الماضية نُفذت مئات بل آلاف من الأعمال الإرهابية في القارات الخمس من المعمورة. الجميع أدان حادثة باريس وفي المقدمة، الجمعيات الإسلامية المتواجدة في فرنسا وفي باقي دول العالم، المنظمات الدولية كانت سباقة ومثلها الجمعيات والنقابات الصحفية في جميع أنحاء العالم وكذلك منظمات حقوق الإنسان ورؤساء الدول من جميع أنحاء المعمورة، مثل هذه الأعمال بطبيعة الحال تزيد من الكراهية والحقد والاحتقان والفتن بين الشعوب والدول والديانات والحضارات، فحضارات الأمم بُنيت وتُبنى على الاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر وليس الحقد والكراهية والتصفية الجسدية. فالتعامل مع أي رأي مخالف يجب أن يكون بالحوار والنقاش والتسامح والبرهان والأدلة وليس بالقتل والسلاح. قال سبحانه وتعالى لرسوله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عندما هاجمه المشركون " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، إنا كفيناك المستهزئين"، (سورة الحجر-آيات 94-95).الإرهاب أصبح لغة العصر وأصبح لغة المطالب والضغط والتعبير عن الاستياء والرفض..إلخ. فلا يمر يوم إلا ونسمع عن أعمال إرهابية أدت إلى قتل أبرياء وحرق وإتلاف الممتلكات. السؤال هنا ما العمل؟ ومن أفرز الإرهاب؟ ومن المسؤول عنه؟ لأن التنديد والبكاء على الأطلال لا يحل المشكلة، والجميع اليوم يلاحظ أن ظاهرة الإرهاب في تنام متزايد وظاهرة الصراع بين الدول والديانات والحضارات والقوى السياسية الفاعلة في العالم كذلك في تزايد. إلى حد الآن المنظومة الدولية فشلت في وضع تعريف شامل وواف وواضح للإرهاب وإلى حد الآن لم يُعالج الإرهاب بطريقة علمية ومنهجية. فهناك ظلم وابتزاز منظم داخل الدولة نفسها أو على المستوى الدولي. فإلى حد الساعة مازالت المنظومة الدولية تتخبط في التعامل مع الإرهاب. فهناك دول تحاول أن تعالجه بالغطرسة والقوة والعنف وهناك من يعالج الإرهاب بالإرهاب وهناك دول توظف الإرهاب لتحقيق مصالحها..إلخ. فالإرهابيون هم بشر مثل باقي البشر في مجتمعاتهم لكن قد يختلفون عن الآخرين بسبب تهمشيهم أو تعرضهم للظلم والاستبداد وغير ذلك. ففي عديد أنحاء العالم هناك أقليات مضطهدة وهناك شعوب مستعمرة ومحرومة من العيش الكريم ومحرومة من أساسيات الحريات الفردية. على الصعيد الدولي نلاحظ ابتزاز واستغلال وعدم تكافؤ في العلاقات الاقتصادية والسياسية وغير ذلك. والحل الأمثل للتعامل مع الإرهاب هو دراسة أسبابه دراسة متأنية ومنهجية وعلمية، فلا حل للظاهرة دون تشخيص الأسباب وتوصيف الدواء الأمثل لمعالجة العوامل التي تفرز الإرهاب، فنلاحظ اليوم أنواعا وأشكالا من الإرهاب. فالإرهاب الفكري على سبيل المثال هو فرض أيديولوجيات وأفكار على الغير عن طريق الدعاية والقوة التكنولوجية الإعلامية. فكم من فيلم ومسلسل وكتاب استهجن واستهتر وسخر من الآخر سواء ما تعلق بدينه أو حضارته أو حتى نمط معيشته، بالنسبة للإعلام فهناك مشكلة كبيرة جدا تتمثل في السيطرة والهيمنة على ما يُنشر ويُذاع ويُبث على البشرية جمعاء. وهنا نلاحظ غياب التسامح الفكري والقيمي والديني عند الإمبراطوريات الإعلامية العالمية التي تسيطر على صناعة الصورة وبذلك صناعة الرأي العام العالمي. فالابتزاز والظلم والاستغلال والازدراء والسخرية من ثقافات الشعوب وحضارتها ودياناتها عوامل كلها تؤدي إلى وضع غير صحي وغير طبيعي قد يفرز تصرفات وسلوك قد يخرج عن العقل والمنطق وتعاليم أي دين من الديانات التي عرفتها البشرية. فالإرهاب أصبح ظاهرة كونية وخطيرة تهدد أمن أي دولة في العالم مهما كان حجمها وقوتها، فأحداث 11 سبتمبر مازالت عالقة في أذهان الكثيرين، ما حدث في باريس قبل أيام يشير كذلك إلى سقوط دولة أخرى كبيرة في مخططات الإرهاب، فما يجب النظر إليه هذه الأيام هو ظاهرة المقاتلين الأوروبيين في صفوف داعش وتشير الإحصاءات إلى مشاركة ما يزيد على 3000 شاب من دول أوروبية في داعش وهناك من فرنسا لوحدها 1300 شاب التحقوا للجهاد في صفوف داعش. وهذا ما يطرح سؤالا محوريا وهاما، أين هي الدول الأوروبية من كل هذا وأين هي مسؤوليتها في الحد من تمويل قوة إرهابية من حجم داعش بشباب ولدوا على أراضيها ودرسوا في مدارسها وتربوا في أزقتها. والتاريخ يعود بنا إلى أزمة الجزائر 1990-2000 حيث كانت العناصر الإرهابية في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا تصول وتجول وتجمع الأموال والأسلحة والذخيرة وترسلها إلى الإرهابيين في الجزائر، وقوى أمن هذه الدول تتفرج ولم تحرك ساكنا. ففي مسجد "فينسبوري بارك" في لندن كانت الأموال تُجمع وكانت الفتاوى تُقدم من قبل أبو حمزة المصري وغيره من منظري الإرهاب لسفك دماء الجزائريين والجميع بما فيهم سكتلوند يارد يتفرج. وهنا الخطأ الذي كانت ترتكبه الدول الأوروبية في التعامل مع الإرهاب. الشباب الذين غادروا مختلف الدول الأوروبية وعددهم أكثر من 3000 شاب ولدوا في أوروبا ودرسوا في مدارسها وترعرعوا فيها هم إنتاج أوروبي والدول الأوروبية مسؤولة عنهم. وهنا السؤال الرئيسي أين هي مسؤولية الدولة والمجتمع المدني والجمعيات المختلفة لرعاية هذا الشباب وإدماجه في المجتمع. فبدلا من إدانة الإرهاب والتغني بحرية الصحافة وحرية التعبير يجب التركيز على معالجة الأسباب التي تؤدي بآلاف الشباب إلى الانحراف وارتمائهم في أحضان الإرهاب ومهندسيه وصانعيه. فتنامي الإسلاموفوبيا هذه الأيام في أوروبا ظاهرة غير صحية يجب معالجتها والنظر فيها بطريقة علمية ومنهجية. فغياب الانسجام في مجتمع يدعي التعددية وتعيش على أراضيه عشرات الأقليات والديانات يعني الكثير. وإذا عجزت الدول الأوروبية في إدماج الشعوب المختلفة التي تعيش على أراضيها هذا يعني أن هناك خللا كبيرا من شأنه أن يفرز تصرفات وسلوكيات قد تؤدي إلى عواقب وخيمة وعلى رأسها التطرف والعنصرية والانحراف..إلخ. فأوروبا اليوم وأكثر من أي وقت مضى يجب أن تتحمل مسؤوليتها ويجب أن تعالج أسباب الإرهاب داخل حدودها كما يجب عليها أن تراعي في سياساتها الخارجية وتعاملها مع الأزمات والحروب في العالم بشيء من المنطق والعدالة والإنصاف والانحياز لحقوق الشعوب في ثرواتها وخيراتها وحرياتها وديمقراطيتها وليس التدخل وتقديم الدروس وما فعلته أمريكا في العراق ما هو إلا خير دليل على العبث بالشعوب والدول والأمم باسم الديمقراطية.