15 سبتمبر 2025
تسجيلالكلام عن المياه يعني في معظم الدول الأمن الغذائي، وهو ما يرادف الأمن القومي، ولقد تحولت المياه في ظل تزايد النمو السكاني ومعدلات الاستهلاك والندرة الملحوظة في مصادرها إلى محور من أهم محاور الصراع الدولي في الربع الأخير من القرن العشرين. ولا يعجب في أن تمثل قضية المياه هذه الأهمية الكبيرة على المستوى الدولي، فالماء أساس كل حي، قال تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" الأنبياء: 30، وقد نشأت الحياة عند البداية وستبقى إلى يوم القيامة، مرتبطة بالماء عصب الحياة وأهم مقوم من مقوماتها، وارتبط استقرار الإنسان على وجه الأرض وازدهرت حضارته بالماء، وارتبطت الحضارات القديمة بمواقع مائية، عرف بعضها بالمسمى المائي مثل حضارة وادي النيل وحضارة ما بين النهرين، ودبت الحياة في مكة المكرمة بعد أن تفجرت بئر زمزم استجابة لدعوة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، قال تعالى: "ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"، إبراهيم: 37. ولأهمية قضايا المياه حددت الأمم المتحدة يوم 22 مارس من كل عام يوماً عالميا للمياه لتلفت أنظار العالم إلى أهمية هذه المشكلة المتوقع حدوثها، وبدأت المنظمات الدولية تدخل قضايا المياه بطريقة جديدة في النظام العالمي مما أدى في بعض الأحيان – إن لم يكن في معظمها – إلى زيادة حدة الصراع بين دول الشمال ودول الجنوب. ولا ريب أن تصرفات البشر من سوء استخدام المياه العذبة والإسراف فيها وتلوينها قد تكون سببا لندرة المياه وحدوث الفقر المائي في بعض المناطق، ولذلك فقد أصبحت مشكلة المياه تتصدر أولويات هموم سكان العالم خاصة أن هناك بليونا من سكان العالم لا يعرفون الماء النقي. فالماء مرادف للحياة؛ فهو يعني الزراعة والغذاء والشراب والطاقة، ويصل الأمر إلى أن حجم الأراضي الزراعية يتحدد في كثير من دول العالم ليس فقط بحجم الأراضي القابلة للزراعة ولكن بكميات المياة المتوافرة؛ وتظهر الدراسات أن البلدان العربية مقبلة على موجة من الفقر المائي الذي يهدد مظاهر الحياة وخطوات التنمية؛ حيث إن الوطن العربي يقع في منطقة الحزام الجاف وشبه الجاف من العالم، وتقل فيه الموارد المائية المتجددة عن 1% من المياه المتجددة في العالم، حيث لا يصل نصيب الفرد العربي لأكثر من 1744 متراً مكعباً من الماء سنوياً، في حين يصل المعدل العالمي إلى 12.900 متر مكعب، كما أن معدل هطول الأمطار فيه يتراوح بين 5-450 ملم سنوياً، في حين يصل هذا المعدل في أوروبا إلى ما بين 200-3000 ملم سنوياً، وهذا الأمر يكتسب مزيدا من الدلالة والأهمية إذا علمنا أن حوالي 79% من الأراضي المزروعة تروى بالأمطار، وأن الصحارى في الوطن العربي تحتل مساحة تبلغ 600 مليون هكتار، وذلك بنسبة 43% من المساحة الإجمالية، ويضاف إلى ذلك معدل النمو السكاني الذي يصل إلى 35% سنوياً وهذا المعدل من النمو من المنتظر أن يتسبب في عجز الموارد المائية بحيث يصل هذا العجز إلى 176 ملياراً عام 2035م. وقد حذرت الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة من خطورة الموقف المائي في الشرق الأوسط، وأن المنطقة تعاني نقصاً خطيراً في المياه خلال السنوات القادمة. قال صاحبي: ما دور الإسلام في ترشيد استهلاك المياه؟ قلت: أقام الإسلام منهجه في هذا الصدد على الأمر بالتوسط والاعتدال في كل تصرفات الإنسان، وأقام بناءه كله على الوسطية والتوازن والقصد. فالإسراف يعتبر سبباً من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها، مما يؤدي إلى إهلاك الحرث والنسل وتدمير البيئة، وقد نهى القرآن الكريم عن الإسراف في أكثر من موضع، فقال تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" الأعراف: 31. وقال تعالى: "كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" الأنعام: 141. ولأهمية الماء للحياة وقفت الشريعة الإسلامية ضد الإسراف في استهلاكه، سواء في أغراض الشرب والزراعة والصناعة أو حتى في أمور العبادات، ومن التعاليم والآداب الإسلامية التي وردت في هذا الصدد ما يلي: 1- دعا الإسلام إلى المحافظة على الماء وعدم الإسراف في استهلاكه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة" رواه النسائي. 2- نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في استعمال الماء حتى ولو كان من أجل الوضوء، فقد روى عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: ما هذا الإسراف، فقال: أفـي الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ". أخرجه ابن ماجه في سننه.