12 سبتمبر 2025

تسجيل

المصالحة لا تتم من طرف حماس وحدها

10 يناير 2013

قبل يومين وتحديدا يوم الثلاثاء 8/1 وفي الوقت الذي كان يؤكد فيه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"السيد موسى أبو مرزوق أن "وفدًا من الحركة بقيادة رئيس مكتبها السيد خالد مشعل سيصل إلى القاهرة للتباحث بشأن المصالحة.. كان الأخ عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح يصرح بنفي وجود أية ترتيبات تتعلق بعقد لقاء بين مشعل وأبو مازن في إطار زيارتهما للقاهرة التي سيصلانها بناء على دعوة من الرئيس المصري.. تصريح عزام الأحمد لم يأت كإضافة أو كتعقيب لا بد منه على إجابة سؤال وجه إليه.. وكان باستطاعته أن يتجنب النفي أو الإثبات احتراما لاحتمالية أن يلتقي الرجلان.. وما المانع أن يقع في ذهن الناس – إن حدث اللقاء – أنه كان معدا قبلا، وأن القائدين يتحركان وفق رؤية واضحة وترتيبات مسبقة؟! أليس يلفت النظر هذا التصريح أولا بكون مطلقه هو السيد عزام الأحمد – عضو اللجنة المركزية لفتح - في حين أن مطلق تصريح حماس هو عضو لجنتها ثم نائب رئيس مكتبها؟ وثانيا: أليس لفرق الرتبتين التنظيميتين دلالة على استعلاء واستكبار في غير موضعه فيما يفترض منه أن يطرح نفسه كشريك مساو في الحوار والمصالحة؟ اللهم إلا إذا كان " الأحمد " لا يرى السيد مشعل كفئا لعباس، أو أنه أراد توجيه رسالة لجهة ما بأن أي مصالحة ستكون يد فتح والسلطة فيها العليا!!  ربما يعتبر البعض أن ما قاله "الأحمد" مجرد تصريح شرود وأنه لا يستحق كل هذا التحميل أو التحامل! وأن البحث في فروق سياقه ومنطوقه ومفهومه وقائله والمقول له تعلل وتعنت في غير محله! وأقول: إن تصريح "الأحمد" ومهما أحسنّا الظن فيه لا يتناسب مع ضرورات بناء الثقة على أساس الاحترام والتكافؤ بين الحركتين بعد أكثر من ست سنوات من الفصام والخصام والانقسام والاستعلاء المتبادل، ولا يتناسب مع الإنجازات والانتصارات التاريخية التي حققتها وتحققها على أرض الواقع لنفسها وشعبها وأنصارها، ولا مع أجواء الوئام الناشئ بين الحركتين بعد مهرجانات الانطلاقتين في الضفة وغزة، ولا مع واجب رد التحية على حماس بمثلها إن لم يكن بأحسن منها بعد أن قامت بالإفراج طوعا وتقربا عن فتحويين مدانين بأعمال إجرامية، وبعد أن سمحت لفتحويين آخرين هاربين منذ الحسم بالعودة لغزة، وبعد أن سمحت لفتح بالاحتفال بانطلاقتها وأمّنت لها المكان والزمان..  الحقيقة أن ما جاء على لسان " الأحمد " لا يمكن قطعه عن استهداف السلطة لحماس بعد مهرجانات الحركتين التي بشرت بالمصالحة، فقد عادت الاعتقالات وعاد التضييق الأمني على حماس من جديد ؛ فمنذ بداية هذا الأسبوع – فقط – اعتقلت أجهزة أمن السلطة عشرات القيادات والرموز كالشيخين حماد العملة وخضر غنيمات، والأسرى المحررين أمثال طارق فضل وطارق دعيس وعبد الرحمن هندية، وال18 طالبا جامعيا وثانويا الذين قادوا احتفالات انطلاقة حماس..  ذلك يعيد طرح السؤال الدائم: هل السلطة معنية بالمصالحة؟ وإذا كانت معنية – وأنا أشك في ذلك وعن تحليل منطقي وموضوعي لا عن سوء ظن - فلماذا إذن تعاكسها وتتلكأ بها وتناور حولها؟ وأقول:  لا أعتقد أن فتح ترفض المصالحة بالمطلق ولكنها تريد مصالحة تعيدها إلى غزة، وتجير لها منجزاتها، وتكسبها مساحة أخرى للشرعية الدولية، وهي تتمنى أن يأتي يوم تكون فيه كما أي نظام يستهدف ما يسميه الإرهاب – الحركات السياسية الإسلامية – وهي لا تريد مصالحة تعيد حماس ومؤسساتها وفعالياتها إلى الضفة.. وفي هذا السياق تأتي كل محاولاتها لجعل الانتخابات التجسيد الوحيد للمصالحة ثم نقطة أول السطر.. علما بأن التصالح لا يقوم على المغالبة التي تقوم عليها الانتخابات، وعلما أيضا بأنها – أي فتح – لا تزال ترفض تفعيل المجلس التشريعي الذي جاءت به انتخابات 2006 التي هي تعترف بأنها كانت نزيهة وشفافة وحقيقية..  فتح لا تريد مصالحة تعيد حماس للضفة وهي لا تضمن قدرتها على تنفيذ أي اتفاق على ذلك ؛ ثم إن المصالحة بمنطق التبادلية والتكافؤ بالنسبة لفتح وللسيد عباس مرفوضة لأنها إن حملت مطمعا بمد النفوذ لغزة فهي مشوبة بثلاثة أخواف ؛ هي: خوف أن تفضي المصالحة لإنفاذ يد حماس في الضفة بما يؤول لاحقا لسيطرتها عليها كما سيطرت على غزة وبما يعطي الاحتلال مسوغ الاجتياحات وأن يحول ذلك العناوين السياسية إلى عناوين مقاومة وثورة وسلاح ومواجهات هي لم تتحضر لها ولم تعد تستطيع المنافسة فيها، وخوف أن تنطلق الانتفاضة الثالثة حتى لو اكتفت حماس بالعمل في الضفة ضمن حراك سلمي تظاهري متفق عليه.. أما الخوف الثالث فهو متعلق بنفوذ " دحلان " وأنصاره في غزة وهو ما ينغص المكسب الوحيد لعباس والسلطة إن عادت إليها..  فإذا كان الخوف أشد تأثيرا وأكثر أسرا لصاحبه من الطمع إذا وضعا في الميزان ؛ فكيف بخوفين مقابل طمع واحد، وكيف إذا كان هذا الطمع مشوبا بخوف ثالث؟!  ومع ذلك فإن على السيد عباس ألا يظل مستسلما لخوفه الشخصي وحساباته الذاتية والحزبية والآنية، فثمة أخواف وتحديات أخرى لا يستطيع أن يتجاهلها إلى الأبد ؛ فاستمرار الانقسام ومفاعيله خوف وتحد، وتعطل عملية التسوية وفقدان المشروع الأساس للسلطة خوف وتحد، وما سيترتب على خطوته باتجاه الأمم المتحدة من تحديات العدو وتأزيماته خوف وتحد، واستمرار التهويد وتصاعد اعتداءات المستوطنين خوف وتحد، وما تقوم به أجهزة أمن السلطة من توحيد الحال مع الاحتلال وانحيازها لسلام فياض على حساب فتح خوف وتحد، وأجواء الثورات العربية التي يمكن أن تنساح وتنداح في الأراضي الفلسطينية رغما عنه خوف وتحد، ووجود وتمردات محمد دحلان وأنصاره واحتمالية أن يتواصل مع حماس وأن يقدم لها تنازلات قد تقبلها تحت ضغط الرغبة في التصالح - وهو ما بدأت تقوله إشاعات صحافية - هو الآخر خوف وتحد.  آخر القول: يبدو أن الحوار الفلسطيني سيظل يراوح مكانه لأن السلطة لم تحسم موقفها باتجاه المصالحة بعد، ولأن حماس ومهما أوتيت من الرغبة في المصالحة لن تستطيع أن تقيمها وحدها.