16 سبتمبر 2025

تسجيل

الدماء العزيزة في تونس والجزائر من يحقنها؟

10 يناير 2011

لعل ما يجري الآن بوتيرة عالية من حركتي الاحتجاج على سوء الأحوال الاقتصادية واستفحال الفقر والبطالة في تونس والجزائر يدعونا للحركة من أجل تأكيد الخطاب الإسلامي الأصيل الداعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على حقوق الإنسان دوماً والذي أثبت فعاليته بمر العصور على وجه التغليب وبحيث انه كلما غاب تطبيقه يعيش الناس في الشقاء والتعاسة وتراق الدماء غزيرة للوصول إلى شيء من السعادة، ففي تونس بلغ عدد القتلى من الثائرين المحتجين حوالي عشرين على أيدي الجيش بعد أن فشلت قوات الشرطة في إلجامهم، ناهيك عن القتلى الذين سقط بعضهم انتحاراً والآخرين الجرحى نتيجة المواجهات التي دخلت أسبوعها الرابع بين صوت الرصاص الحي وصراخ المتظاهرين العزل من السلاح، إضافة إلى الصدامات التي تلقاها مجموع المحامين ضربا وركلاً، مما جعل الاتحاد العام التونسي للشغل يدين هذه الأفعال غير المسؤولة التي زادت المحرومين قهراً بدل حل مشكلاتهم والكل أبناء وطن واحد يجب ألا يتضرر فيه أحد على حساب أحد ويجب أن يصان حق الأمن والغذاء للجميع وفي المشوار الناري نفسه هبت حركة احتجاج الشبان في الجزائر وربما لم يكن من باب العدوى من تونس لأن الجزائريين أشداء كذلك ولا يمكن أن يستمروا على ما يسمى الصبر على ضيق المعيشة والغلاء إلى هذا الحد، ولذلك فقد قبلوا التحدي وسقط منهم عدة قتلى ومئات الجرحى، إضافة إلى مئات آخرين من رجال الأمن ومازال اللهيب مشتداً وعلى حين تذهب حكومتا البلدين إلى أن ما يجري يمكن أن يبدأ بعلاجه والنظر فيه مع التهديد بيد الحديد وبلا هوادة لمنع من وصفتهم بمثيري أحداث الشغب، والذين لم يكونوا حضاريين في احتجاجاتهم التي لم تكن سلمية، حيث حرقوا وضربوا ونهبوا ممتلكات الآخرين واعتدوا على الأجهزة الحكومية العامة والخاصة، يذهب الثائرون المتظاهرون الغاضبون وغالبهم تصل نسبتهم إلى 75% من الشباب إلى أنه قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى فتمادت الحكومات في طغيانها، حيث لم تصغ للدين ولا للقانون الآمرين بالعدل والحق، ويقولون: قد صبرنا إلى أن مل من صبرنا الصبر، حيث كنا كلما تأملنا شيئا خذلنا فهم كما قال البحتري: شر العواقب يأس قبله أمل وأعضل الداء نكس بعد إبلال أو كما قال راجي الراعي: أكبر القتلة قاتل الأمل، فإنهم قد غدوا بلا أمل في الحياة ويحاربون في قوتهم وعيشهم والجدير بالذكر أن الكثيرين منهم حملة الشهادات العليا والمؤهلات المعتبرة ويعتذرون عن انتحار أخيهم الذي أحرق نفسه بالبنزين جراء مصادرة عمله البسيط وهو بأمس الحاجة أنه إذا كان ريختر يقول: وإن اليأس هو انتحار القلب، فإن صديقهم أو ملهمهم لثورة سيدي بوسعيد قد احترق قلبه قبل جسمه فعبر بإضرام النار فيه إذا اسودت في وجهه الدنيا وأنا اعترض هنا بمداخلة أن الانتحار لا يجوز البتة مهما كانت الظروف والمظالم وأحمل الجميع مشكلة هذا الفراغ الديني الذي بسببه يحدث مثل هذا، وإن كنت ممن يجيز الصلاة على الميت المنتحر لأن أصله مسلم موحد ولو ارتكب كبيرة قتل نفسه، كما قال العلماء ثم هم يقولون أيضا كيف يمكن أن نحب خصومنا والحال أن الفقر إذا دخل من النافذة فإن الحب يخرج من الباب، وإذا اعتبرونا مجرمين فإن الفاقة أم الجرائم، كما قال كابرولي، ثم هم يعتزون بأنه لا الفقر يستطيع إذلال النفوس ولا الثروة تستطيع أن ترفع النفوس الدنيئة كما قال فونتارغ، حيث إنهم على حين يرون أصحاب السلطة يصطادون الفيلة فإنهم كفقراء غير مستطيعين أن يصطادوا حتى البق، ثم هم يناقشون بكل ثقة مستدلين بالحديث الذي أورده العجلوني في كشف الخفاء "2/141" من رواية أحمد بن منيع عن الحسن أو أنس مرفوعا كاد الفقر أن يكون كفرا، وكذلك تعوذه صلى الله عليه وسلم من الفقر فيما رواه النسائي وصححه ابن حبان عن أبي سعيد كما في المرجع نفسه وموضعه (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) ثم ألم يقل لقمان الحكيم: وذقت المرارات فلم أر أمر من الفقر، ألم تجمع الأديان كلها على العناية بالفقراء حتى جاء الإسلام وأوجب ذلك حتما بدءا من المرحلة المكية بالحض على طعام المسكين والمحروم وانتهاء بالمدنية التي أصلت نصوص الزكاة والصدقات، انظر القرضاوي فقه الزكاة "ص/152"، أتروننا مشاغبين جانحين والفقر أبو الجرائم كما قال (الابرويبر) بل إن حق الفقير إنما يستلبه الغني كما قال علي رضي الله عنه: ما جاع فقير إلا متع به غني، إنهم يؤكدون أنهم ما خربوا إلا غضبا وانتصارا للحرية وانتزاعا لها من أيدي الغاصبين المستبدين الذين يخيطون الألسنة ويكسرون الأقلام الحرة فهم مع (سبينوزا) أن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام إنما تهدم نفسها بنفسها، ويردون على من يتهمهم بالسرقة للممتلكات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقطع الأيدي في عام الرمادة والبعض إن فعل فإنه محتاج وعلى الدولة أن تتحمل وكما يقول المثل العربي: الحاجة لا تعرف القانون ويستأنسون بقول جبران خليل جبران: هل الخوف من الحاجة إلا الحاجة بعينها؟ وقول الشاعر: وإذا لقيت صعوبة في حاجة فاحمل صعوبتها على الدينار ويقولون: إن ثروات البلاد محصورة في عائلة معينة أو حزب محدد أو شلة منتفعة، فأين تداولها الذي أمر به الإسلام مع أنهم يستحقونها إما لجدارتهم بها أو لفقرهم وضغط الحياة عليهم ويستدلون بقول أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، على ولي الأمر تزويد العامل بآلة العمل وإن كان عاجزا أو مريضا أو ذا شيخوخة فعلى الدولة تأمين حاجته من بيت المال وفي مقابل مقاومة الغلاء في الأسعار حيث التضخم فلابد من وضع السعر ومراقبته حتى لا يزيد التجار، حيث يؤكد ابن القيم رحمه الله أن على صاحب السوق منع الزيادة ومن خالف عوقب وأخرج من السوق وأن المجتمع الإسلامي قائم على التكافل وهو التساند الذي أقامه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بين المهاجرين والأنصار وأن على الدولة كذلك أن تكفل حد الكفاية، "انظر د. أحمد العسال النظام الاقتصادي الإسلامي ص 10"، وهو ما يطلقون عليه اليوم: الضمان الاجتماعي، ثم يقول هؤلاء إن البطالة التي ضربت فئة الشباب في البلدين ظاهرة خطيرة جدا وان معدلاتها تتجاوز المقاييس العالمية وأنها في تفاقم مستمر وقد تجاوزت بين الشباب الخريجين 25% على ما أكده خبراء اقتصاديون جزائريون وقريب منها في تونس، مما أدى حقيقة إلى انعكاسات وآثار خطيرة من الاقصاء والتهميش بل الجنوح أحيانا وعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي وإضعاف العلاقة بين الأفراد والمجتمع وزاد من حدة الفوارق بين مستوى الترف والشظف، إن هؤلاء المحتجين يؤكدون أن ما تسميه الدولة تخريبا إنما هو للفت نظرها جديا إلى المعالجة، وهذا ما جعل الحكومة تتحرك بعد تحرك الدماء من الفريقين إلى البدء في الحل ورأت مثلا أن تخفف أسعار الضروريات 14% قبل يومين ثم أمس صرحت بأنها رفعت النسبة إلى 41%، ثم دعا المحتجون إلى إنصاف العائلات المحرومة من السكن الاجتماعي في الجزائر، حيث هددت 17 عائلة بالانتحار وقامت امرأة فعلا بمحاولة طعن نفسها حدث هذا وسابقة في باب الوادي وهي ديار الشمس في العاصمة، ويتساءل المحتجون اعذرونا إذا رشقنا بالحجارة من يدافع عن الظالمين ضد الضحايا وإذا أقمنا المتاريس في وجه جبروتهم واغتيالهم للشباب البريء، فالصراع لابد أن يدوم فللحرية ثمن باهظ أين ثورة الإعلام معنا والشد على أيدي الأحرار والشرفاء أين من يرفع صوته بأننا في الجزائر بلد غني مصدر للنفط ولكن شعبه فقير أي سوء إداري هذا حتى يضطر الشباب للبحث عن الرغيف قبل العمل لا تلومونا في هبتنا بل لوموا من يدخل البلاد في الأزمات الذي جعل الفقر سببا لولادة ونشأة البطالة، إن البطالة هي الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي تحدث الفراغ القاتل في الأوقات، كما قال المفكر ديل كارينيجي ساعات الفراغ أخطر الساعات، وبدل أن تنفق في ذلك فلتنفق في العمل، ثم يقول التونسيون كم هي إيرادات الموسم السياحي في تونس التي تؤمها الملايين وماذا يأتي الشعب من فائدة من هذا الإيراد للمحرومين على حين يتمتع السائحون أهل الفراغ الحقيقي وكذلك أصحاب السلطة بملء الجيوب. وإننا بعد هذا التعليق السريع الذي لامس الأحداث ولم يسبرها لابد أن نعزز نصائحنا للحكومتين من جانب وللشعب خاصة الشباب أن يعمل الجانب الأول على: تقوى الله في شعوبهم المقهورة وحل مشكلتي الفقر والبطالة وعلى التعامل بالحوار مع الرعية وليس بالحديد والنار والاستكبار غالبا وأن يضربوا السيف الأعزل بوردة لا برصاصة وأن يرجع الجيش إلى ثكناته وأن يستغلوا الطاقات الشبابية فيشغلوها ولا يقتلوها أو يقيموا للعاجزين نظام التكافل الإسلامي، فالدولة بحر يجب أن يستوعب كل ما يصب فيه وأن يعملوا على تداول الثروة والسلطة ليتحقق العدل الواقعي أما الشعب الثائر والشباب الهائج اليوم، فمع حركتهم لابد أن يقوم كل قادر ولو على عمل بسيط أن يقوم به فإن الله لا يحب الرجل البطال كما في الأثر ومن تعطل وتبطل دون عذر فقد انسلخ عن الانسانية وصار من الموتى "انظر كتاب البطالة وعلاجها لجمال حسن السراحنة من ص 240" وذلك حتى لا نشارك في مشكلة الضياع العام وقد تعوذ رسول الله من العجز والكسل وليتمثلوا بالأشعريين حين الفقر، حيث يقسمون ما عندهم بينهم حتى تنجلي الليالي السود ويطلع فجر الفرج ويراجع الجانبان الحساب على فهم الإسلام.