18 سبتمبر 2025

تسجيل

أنا كنت حرامي وتبت

10 يناير 2011

السرقة كبرت أم صغرت لا اسم لها إلا (سرقة) وهي النقيصة المزمومة التي ما وصمت أحداً إلا ولوثته هو وكل من تبعه او عرفه او انتمى إليه فنحن كمجتمع عربي لا يتسامح عادة مع من مد يده إلى مال غيره عاماً كان أو خاصاً، وكثيراً ما دفع الأبرياء من الأبناء ثمن هذه الوصمة التي تزلزل الأسر وتدمغها بسوء السمعة. هذا الكلام استدعاه منظره وقد توقفت السيارة في اشارة رابعة العدوية بمدينة نصر قبل ان يهل العام الجديد بايام، كان يتأبط كتيبات صغيرة ويحوم حول العربات يسألها المساعدة، منظر معتاد فى الاشارات ان يسألك متسولون، لكن غير المعتاد ان يتقدم أحدهم ليقول لك (انا كنت حرامي وتبت ساعدني لوجه الله) لم يكن فى نية أي من الجالسين في السيارة مساعدته عندما هل علينا لاعتقادنا أن المتسولين يتاجرون باستعطاف الناس لجمع ثروات سهلة، لكن عندما كرر مؤكداً (ساعدوني انا كنت حرامي وتبت انا عندي 8 عيال) ومد يده بكتيب قال ان فيه حكاية توتبه كان أول المتعاطفين زوجي، ثم تابعناه جميعاً، لم نسأل بعضنا ان كان يستحق أم لا، لم نقل لبعضنا انه كذاب يستعطف باكاذيبه، كلنا وصلنا صدقه ولمس قلوبنا بحالة التطهر من الحرام التي يعلنها دون وجل بوجه باش ومحيا باسم كأنه يتباهي بقهر الشر، والتصدي لسطوة الحرام وزينته التي تجر الأقدام إلى وحل الحرام. طويلاً وقفنا بالاشارة، ويبدو أنه ارتاح لتعاطفنا ولعيوننا التي تشي نظراتها بتصديقه فراح يسرد علينا جرائمه، وكيف كان لصاً خطيرا يعمل له الف حساب حتى كانت القاضية التي ادخلته السجن، تأملت وجه (الحرامي) الذي يكلمنا بصدق، تأملت عينيه البكايتين بحزن سعيد، ربما كان حزنه لتقصيره فى جنب الله، ربما كان على العمر الذى انفقه فى المعاصي ربما كان الحزن على حزن من سلبهم مالهم فقهرهم وحسرهم، ربما، ربما، ربما، فجأة فتحت الإشارة فقطع عم محمد كلامه ومد يده بـ (c.d) معقباً دي حكايتي اسمعوها علشان تصدقوها. اطلقت الإشارة المفتوحة سراح السيارات أمامنا، دسست الـ (c.d) في حقيبتي دون اى رغبة في سماعه، بعد ايام وانا افكر فى موضوع مقالتي الجديدة طرأت على زهني حكاية عم محمد اللص التائب، وضعت الاسطوانة على الجهاز وبدأت اسمع، وفوجئت بحوار يجريه المذيعان المتألقان نجوى ابراهيم ومحمود سعد معه، وهو يحكي لهم عن حكاية توبته وكيف انه كان لصاً عاتياً بل من أخطر اللصوص على الاطلاق الذين اقتحموا فنادق، وفلل، ويحكي انه دخل مرة ليسرق فوجد فى الأدراج ذهباً ومبالغ مالية كبيرة، جمعها فى ملاءة سرير ولما هم بالخروج لمح إلى جانب السرير دواء كثيراً وصور اشاعات فترك المسروقات مكانها قائلاً فى نفسه ان صاحبها ربما سيحتاجها لإجراء عملية وما شابه ذلك، ويحكي كيف استنهضت الأحداث انسانيته وهو فى السجن الذي يعتبره معلمه الأول، يقول استيقظت من منام غريب على أذان الفجر ركضت إلى امام مسجد السجن سألته كيف يصلي الناس وماذا يقولون وكانت أولى صلواته التى سجد فيها لله صلاة الظهر، واستيقظ النور بداخله فأعرب عن رغبته في التوبة الكاملة وتسليم كل ما بحوزته من مال حرام، فرتب له لقاء مع وزير الداخلية فرد فى مكتبه عمارة، وسوبر ماركت، ورصيدا كبيرا فى البنك، مؤكداً أن رد المظالم من أهم شروط التوبة النصوح، وسمح له شيخ الأزهر بعد ان علم بحكايته بطباعة أحداث الغي والضلال التى كبلته ثم التوبة التي نقلته من ذل المعصية إلى عز الطاعة كما سمح له ببيع التجربة لتكون عبرة ومصدر رزق يستعين به، ولا ينسى عم محمد صاحب الروح التائبة كل من ساعدوه، يقول ان أول من ساعده بالقرش الحلال الفاضلة نجوى ابراهيم كما ساعدته بالتعاون مع الأوقاف على أداء فريضة الحج ويختتم بدروس وعبر أجملها "عمر الجنيه ما اشترى كرامة بني ادم" "ومن يتقى الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، انا ضميري مرتاح والحمدلله اننى لم اتب ضعفاً بل تبت وانا فى عز قوتي استطيع أن اسرق الكثير، كنت اظن ان السرقة بطولة ورجوله، اعترف اننى سرقت تحت دافع الحاجة، والغفلة عن ذكر الله، وضعف الايمان. لقد ايقظ الحرامي التائب في نفسه خواطر كثيرة تمس كل الذين اخطأوا ثم تابوا فلم يجدوا حضناً يحتويهم واذكر مستمعاً قال على الهواء تبت ولكن المجتمع يطالبني بشهادة حسن سير وسلوك، من أين اتي بها؟ فكرت في كرب الذين ترفضهم مجتمعاتنا لوقوعهم فى خطأ السرقة دون نية للصفح، بل وأحياناً المعايرة، الأمّر من السجن، أفكر في الصحابي الجليل الذي عطل حد السرقة في عام المجاعة، وأفكر فى الذين يسرقون لسد حاجة أفواه جائعة على طول خريطتنا العربية، مسؤولية من؟ وافكر في الذين لا يسرقون ولكنهم يلجأون إلى طريقة اشنع من السرقة فيشنقون انفسهم بملاءة سرير كما طالعتنا الصحف منذ اسابيع. واذا قلنا ان البعض يسرق معذوراً لضيق ذات اليد (ولا عذر فى سرقة) فماذا نقول فى الذين يسرقون ومعهم ما يكفيهم ويفيض؟ وماذا نقول في الذين يمدون اياديهم للاستحواذ على المال العام والخاص متى توافرت الفرصة؟ ماذا نقول فى الذين خانوا من ائتمنهم ففحش ثراؤهم من بلع المال العام، ومابالنا لا نفتح صحيفة بعالمنا الوسيع إلا ونجد صوراً زاعقة للفساد والمفسدين الذين استحلوا بمناصبهم مال غيرهم، والانكى ان يتم ذلك بفواتير، وايصالات، ومناقصات، وتواقيع، وموافقات، وأوراق رسمية كلها تبدو سليمة، بينما امتلأت جيوب السارقين بما شفطوه عياناً بياناً بجرأة يحسدون عليها، وقد يظل الشفط مستمراً حتى يتوب تائب كعم محمد أو يبلغ أمين عن الانتهاكات الفادحة، أو يجرى تحقيق شفاف يكشف به الذين يخافون الله (هوايل مستخبية) ودائما المخفي أعظم. أعان الله المصلحين ومتتبعي الفساد والشرفاء من المسؤولين على صون اسمائهم نظيفة من العطب في قلب فساد يستشرى على طول خريطة العالم العربي ويكاد يمسهم وهم منه براء، ووهب الله كل من استحوذ عليه شيطان المال الحرام توبة كتوبة عم محمد الذي لا أدارى اعجابي الشديد به.