14 سبتمبر 2025

تسجيل

سينما اللاجئين ودراما الأوطان

09 ديسمبر 2021

يحتاج اللاجئون للسينما لأهداف مختلفة، منها ما هو توعوي، ومنها ما هو نفسي، وآخر اجتماعي بعد أن تجاوز أهمية السينما للاجئ فكرة الترفيه إلى مرحلة الحاجة والضرورة. وعلاقة اللاجئ بالشاشة الفضية تختلف عن علاقته بالتلفزيون، فالأخير ليس متاحا على الدوام، وإن أتيح فإنه يحصر المشاهدة وسط فضاء منزلي ضيق، أما الشاشة الكبيرة والمشاهدة الجماعية مع الآخرين فهما فعل ثقافي جماعي يختصر جوهر الفارق بين الشاشتين الصغيرة والكبيرة، خاصة إذا أضيف إلى هذه المشاهدة السينمائية الجماعية نقاش وحوار في أعقاب الفيلم. ونحن هنا لا نتحدث عن مضامين الأفلام المعروضة بقدر ما نتحدث عن آلية المشاهدة كفعل ثقافي جماعي وأهميته بالنسبة للاجئ وحتى المغترب المفتقد لآلية التواصل الاجتماعي الفعال خارج الدوائر التقليدية من عمل ودراسة وأكل وشرب، وهي حاجة تلبيها معظم الأوطان ولا يدرك أهميتها الناس سوى بعد تجربة اللجوء أو الاغتراب. ولا تنفصل أهمية السينما للاجئ كمشاهد عن أهميتها له كمخرج وعن أهمية هذه الوسيلة الفنية بالنسبة لقضيته ومعاناته، فالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مثلا رفعت شعار "سينما من أجل الإنسانية"، ومؤخرا قامت بالمشاركة في إنتاج سينمائي من أجل أن يرى الناس مآسي اللاجئين بطريقة جديدة، ومولت الفيلم الوثائقي "كباتن الزعتري" للمخرج المصري علي العربي الذي أمضى 8 سنوات في تصوير مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، وقد أنتج عام 2021 وتم عرضه في مهرجان "صندانس" السينمائي الدولي في الولايات المتحدة، واختير ليكون ثاني أفضل فيلم في المهرجان. ويروي الفيلم قصة شابين هربا من جحيم الحرب في درعا بسوريا إلى مخيم الزعتري ويحلمان بأن يكونا أبطالا في كرة القدم. وينتمي فيلم "كباتن الزعتري" إلى فئة الأفلام الوثائقية الجمالية، مثل فيلم "إلى سما" للمخرجة السورية وعد الخطيب، والذي وصل إلى ترشيحات جائزة الأوسكار العام الماضي 2020، ويتناول ملخصا لـ5 سنوات من التصوير لتوثيق أهوال الحصار والقصف لمدينة حلب السورية. لكن الاختلاف بين الفيلمين هو أن الفيلم الأول مصنوع بأيادٍ خارجية لمخرج غير لاجئ، لذلك يبحر المشاهد فيه وسط لقطات شاعرية وجمالية تدخل إلى أعماق نفسيات الشباب وآمالهم وعيونهم التي ترنو إلى المستقبل، فيما يغوص فيلم "إلى سما" في أعماق الحاضر المؤلم بلقطات أكثر واقعية مأخوذة بكاميرا مهزوزة ترتعش مع الركض والقصف. وهو أيضا تعبير عن ذاتية المخرجة المجروحة، بخلاف المسافة التي تفصل مخرج "كباتن الزعتري" عن أبطال فيلمه، فيراهم من زاوية أخرى خارجية. وكلا الفيلمين يأخذك في رحلة زمنية طويلة نسبية على مدار سنوات الإعداد، فترى الشخصيات وقد تغيرت ملامحها وكيف طبعت السنون والأيام بصمتها على الأحداث الواقعية، لتكتشف دور التاريخ المنسي في زحمة التطورات المتعاقبة والمتسارعة في الحياة. زخم الإنتاج السينمائي عن اللاجئين - خاصة السوريين - في مجال الأفلام الروائية ليس بأقل من الأفلام الوثائقية، فقد حصد فيلم "ليمبو" جائزة بافتا في أسكتلندا لأفضل فيلم روائي طويل هذا العام، كما حصل بطل الفيلم الممثل البريطاني من أصول مصرية أمير المصري على جائزة أفضل ممثل. وتدور أحداث الفيلم حول الشاب عمر السوري الموسيقي الذي يحمل عود جده في رحلة اللجوء حتى وصوله إلى جزيرة في أسكتلندا، بانتظار البت في طلبه للجوء. اللافت في الفيلم أن الإنتاج بريطاني، والأبطال العرب يتحدثون اللغة العربية مع وجود ترجمة مكتوبة، مما يضفي جوا من الواقعية على الأحداث، كما أن الحبكة القصصية لا تنحو نحو الإغراق في المأساة كما هو متوقع من فيلم يتناول قصة اللاجئين، ولكن الجانب الكوميدي مهم في الفيلم ويثبت أن القالب الكوميدي يمكن أن يتسع ليشمل قضية مأساوية مثل اللجوء. وقد أضفى الجو الكوميدي طابعا إنسانيا على الفيلم زاد من جماله، إلى جانب اللقطات الشاعرية التي لجأ لها المخرج مستخدما الطبيعة الخلابة في أسكتلندا. * صحفي ومنتج أفلام * عن الجزيرة نت