10 سبتمبر 2025
تسجيلالمتأمل في تعامل الإعلام القطري وإعلام دول الحصار مع الأزمة الخليجية يلاحظ مفارقات عديدة وتجاوزات صارخة في حق شعوب المنطقة وشعوب العالم. فخلال الستة شهور الماضية عاش المشاهد والقارئ الخليجي مرحلة تاريخية من انحطاط وتدهور وانجراف أخلاقي ومهني لا مثيل له من قبل إعلام دول الحصار. كما خاب ظن الكثيرين في النخب المثقفة في كتاب ومحللين كثر انحازوا إلى الحصار الغاشم وإلى الدعاية والتضليل والتعتيم والفبركة والظلم والاستبداد بدلا من الانحياز إلى إطفاء نار الحقد والكراهية والغدر بين الإخوان. فبدلا من المطالبة بالتبصر والعقلانية والنضج السياسي والدبلوماسي لاحظنا طوفان من الرسائل الإعلامية التي تصب الزيت على النار وهذا منذ ليلة اختراق وكالة أنباء القطرية. ومع الأسف الشديد ما زال إعلام دول الحصار وإلى حد كتابة هذه السطور يمارس منهج الكذب والتضليل والتعتيم والنفاق والتجريح والقذف..الخ رغم أن المنظومة العالمية والدول الفاعلة في النظام العالمي اعترفت بأن الحصار الغاشم على قطر هو حصار من دون مبرر ومجرد اعتداء سافر على دولة لا علاقة لها بالإرهاب وبادعاءات دول الحصار التي وظفت الإعلام من أجل كسب عقول شعوبها وكسب الرأي العام في المنطقة وفي العالم. دول الحصار اعتبرت الحرب الإعلامية هدفا لإقناع الجمهور. استخدمت جيوشا من الضيوف كانت جاهزة في قنوات دول الحصار لمهاجمة قطر. فمنذ الوهلة الأولى من اختراق وكالة الأنباء القطرية كانت استديوهات قنوات دول الحصار جاهزة تماما، بعد ثوان من فبركة تصريحات لسمو الأمير، حيث كان "الخبراء" و "المحللون" جاهزون لشيطنة قطر وجعلها دولة مارقة، منبوذة، لا تريد أية دولة في العالم التعامل معها رغم أن التحضيرات لهذه المقابلات تحتاج لوقت طويل، كما كانت صحف دول الحصار في اليوم التالي مليئة بالدعاية والتضليل والتعتيم في حملة لا مثيل لها للهجوم على قطر، رغم أن غالبية الصحف تسلم للمطابع بعد منتصف الليل، وهذا يدل على أن الأمر كان معدا له مسبقا. من جهة أخرى وظفت دول الحصار جيش من المغردين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي لشن حربا إلكترونية عشواء لم يسبق لها مثيل للنيل من قطر وشتم قادتها وشعبها. أما ظاهرة الذباب الإلكتروني فهي ليست جديدة فقد تم توظيفها في الأزمة بين قطر والإمارات في العام 2012 قبل أزمة 2014، وكانت الحسابات الوهمية تتزايد أعدادها يوما بعد يوم، وهذه الحسابات كانت توجه القذف والتشهير والاتهامات بشكل متواصل. في المقابل نلاحظ أن الإعلام القطري وعلى غرار تصرف وسلوك دولة قطر وتعاملها بهدوء وحنكة وحكمة، التزم بالمصداقية وعدم الإساءة للرموز والخوض في الأعراض. وهنا نلاحظ أن دولة قطر تعاملت مع الأزمة بشكل عقلاني. فكما أكد الشيخ عبد الرحمن بن حمد، الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام، فإن "المنهج الإعلامي لقطر أخلاقي ومهني وبعيد عن الإساءة، وأن وسائل الإعلام القطرية لم ترد على الإساءة بالإساءة، ولكن كانت مهمة الإعلام تزويد الجمهور بالمعلومات الصحيحة في مواجهة أكاذيب دول الحصار ورغم عملية اختراق وكالة الأنباء القطرية والتي تعتبر جريمة إلكترونية يعاقب عليها القانون الدولي ألتزم الإعلام القطري بمختلف وسائله بمبادئ كانت موجودة عند المسؤولين القطريين قبل الأزمة، وأولها المصداقية، وعدم الخوض في الرموز، وعدم التطرق إلى أي نوع من الإساءات، وكذلك عدم استخدام المنابر الإعلامية لتوجيه الإساءة سواء تجاه الرموز أو الأعراض، أو حتى إدخال الفن كأداة للإساءة مثلما فعلت دول الحصار. مع الأسف الشديد وظفت دول الحصار الفنانين ورجال الدين والأئمة والفقهاء لتمرير أكاذيبها وتبريراتها الواهية لحصار جائر وغاشم. تعامل قطر مع الأزمة كان عقلاني، في المقابل نلاحظ أن دول الحصار اعتبرت الحرب الإعلامية هي الهدف، وانتصارهم في إقناع الجمهور العربي والخليجي أو حتى الجمهور الداخلي، عبر استخدام الأغاني المسيئة والتطرق إلى الأعراض، وأيضا استخدام الأطفال في بعض المسلسلات التي أنتجتها دول الحصار، وكل هذا في نهاية المطاف لا يجعل قضيتهم على حق، فكثرة أصوات ومنابر الباطل لا تجعل منه حقيقة. المعلومات الصحيحة والحقيقة هي التي تكتب لها النجاح وإلقاء بعد مرور الأيام والشهور والسنوات. الإعلام القطري أعتمد على الأدلة والجج والبراهين لإبراز الحقيقة وتقديمها للرأي العام. فبكل مهنية وحرفية قام الإعلام القطري بتحليل اتهامات دول الحصار، وحللها وأبرز التناقضات التي كانت تطغى على مجملها كاتهام قطر بأنها تدعم الأحواز وفي الوقت نفسه تدعم حكومة إيران، وهناك اتهام آخر بأن قطر تدعم حماس وفي الوقت نفسه تتعامل مع إسرائيل، وكل هذه الاتهامات متناقضة تماما وخلية من المنطق وهذا يعني أن الحصار الغاشم ليس مبني على أسباب منطقية وسليمة. على العكس نلاحظ أن الإعلام القطري كان مهنيا وحرفيا في تعامله مع الحصار وكل ما كان بقدمه كان مبني على الاستقصاء والبحث والتحريات والأرقام والأمثلة. فقناة الجزيرة على سبيل المثال لم تستعمل أسلوب الحرب النفسية والدعائية سواء تعلق الأمر بالأخبار أو التحقيقات أو التقارير أو الحوارات. فالقناة كانت تلتزم بتقديم الحقائق المدعمة بالإحصاءات والشهادات والصور وكانت تقدم منتجها وفق المعايير المهنية والأخلاقية. أقل ما يكن قوله حول إعلام دول الحصار وتعامله مع الأزمة الخليجية هو أنه لم يخرج من عباءة السياسيين الذين اخترقوا الأعراف والقوانين الدولية ابتداء من اختراق وكالة الأنباء القطرية إلى فرض حصار من دون دواعي وبدون أسباب منطقية وواقعية. فالإفلاس السياسي لدول الحصار انعكس على الإفلاس الإعلامي الذي أسقط الأقنعة من على أوجه أشبه الصحفيين والإعلاميين والفقهاء ورجال الدين والمثقفين والمنظرين للفساد وأعداء الشعوب البريئة التي لا حول ولا قوة لها. شعوب حرمتها الأنظمة الطاغية من صلة الرحم ومن التمتع بحرية الانتقال وحرية الفكر والتعبير والاختلاف في الرأي.