16 سبتمبر 2025

تسجيل

الخطأ التاريخي المصري

09 ديسمبر 2012

في ذات الأجواء الباردة يعيد سيناريو التحرير نفسه في مصر مابين تجمعات وإصابات ودبابات، قبل عامين أنقسم الشعب هناك على الرئيس مبارك مابين مؤيد ومعارض بحجة التوريث والفساد والانفراد بالسلطة وصار مبارك وآل بيته وحزبه في خبر كان، فقد عرف الناس الآن الطريق إلى قصر الرئاسة وحتى شقة الرئيس مرسي الخاصة في الزقازيق حيث غذت التجربة القريبة للإطاحة بمبارك قاموس المصريين بعبارات التنديد وامتعاضات الشوارع والميادين وعاد البلطجية إلى التحرير مرة أخرى دون أن يعرف لهم مرجعية حتى الآن ليتقاسموا مع الجموع المشهد العجيب الذي يلف أرض الكنانة في عهد لم يشتد عوده في السلطة بعد ولم تأخذ العلاقة فيه مداها بين الحاكم والمحكوم، فماذا يجري في مصر الحبيبة الآن، أهو مجرد انقسام على الدستور ومضمون بنوده في الصلاحيات والتعيينات؟ أم أن المرحلة أفضت المجال لتصفية حسابات قديمة بين توجهات المشهد السياسي المصري المتخم بجملة من الميول المعقدة والانتهازية أيضاً في بعض حالاتها؟ ومع أنه في رأيي الشخصي أعتبر الانقلاب على مبارك والإطاحة به على الأقل في جانب المكانة الرئاسية وهيبة الدولة ورمزوها خطأ تاريخياً يزيد من عُقد المشهد السياسي المصري ويُعطل مسيرة البلاد التنموية وحضورها الدولي والإقليمي، إلا أن الاستعجال والإلحاح الشعبي العام المدفوع في بعض حالاته من قوى متمصلحة من الثورة واعتبار عامل الوقت مهماً في إسدال الستار عن آخر أحداثها وإجبار المؤسسة العسكرية التي تولت إدارة شؤون البلاد للبدء سريعاً في انتخابات الرئاسة المصرية التي أتت بالرئيس مرسي بغض النظر عن ميوله السياسية وتوجهاته، فتلك العجلة في الأمر هي ما يُحسب كغلطة تاريخية أكبر من ذات الإطاحة بحكم مبارك، فبناء المؤسسات وصياغة الدساتير تحتاج إلى مزيد من الوقت المشبع بالتأني والتمحيص والمقارنات وكان الأجدر بالأخوة في مصر في مرحلة ما بعد مبارك والذين انشغلوا بسيناريو محاكمته والقصاص منه ومن رموز عهده البدء في كتابة الدستور الجديد أولاً وفق ميول كل المصريين وتوجهاتهم وبما يحافظ على الوطنية المشتركة لكل الأطياف في متسع من الوقت والتشاور المعمق الذي يحفظ لمصر عزتها التاريخية ويبني مستقبلها القادم المحتضن لثمانين مليون ونيف من البشر في منطقة محورية وذات أهمية وتأثير إقليمي وعالمي ناهيك عن اقتصادات متداعية تستلزم أن يتضمن الدستور الجديد سبل استنهاضها لتوفير العيش الأمن والكريم لكل شعب مصر في أجواء من الحرية والمشاركة الفاعلة سوى أن الميول نحو انتخاب الرئيس كان عجلا وربما دفعت نحوه بعض القوى لضمان حضورها في الواجهة من باب اقتناص الفرص، إلا أن ضمان سلامة المشهد السياسي كان يستلزم صياغة دستور البلاد أولاً وفق محددات الميول العام دون أن تستحوذ جهة على أخرى في كتابته والتحديد الصريح للصلاحيات فيه وليتم بعد ذلك الانتخاب للرئيس وفق محدداته غير القابلة للنقاش أو التغيير في أصل بنوده والصلاحيات حولها دون مستندات قانونية قوية، فالتجربة العراقية القريبة بعد الإطاحة بالرئيس صدام حسين وتولي المجلس الانتقالي لشؤون البلاد أعطت فرصة جدية لصياغة الدستور العراقي الجديد فرغم التحفظ على بعض مضمونه وآلياته إلا أن الشكل العام للتجربة لا يعطي مجالاً للاستفراد بالسلطة أو الاستحواذ ببعض جوانبها، أيضاً حتى دعوات الرئيس مرسي الآن للتصويت على الدستور وبنوده قد لا تكون هي الترياق الناجع لمعضلة الشارع المصري والذي دخل نفقاً معتماً استنهضت فيه القوى الأخرى نشاطها وباتت الساحة والحديث حول الدستور مجالاً للنقاش في قضايا أكبر وتطاول صوت المناداة للإطاحة بالرئيس مرسي ومحاصرة قصره وعائلته، فربما كانت المناداة بالتصويت على الدستور كفيلة بسحب فتيل الأزمة إلا أن الشارع الآن اعتاد على الحديث في كل شيء وعلى خلط الأوراق بطريقة تزعج محبي مصر والخائفين على مستقبلها، نتمنى لمصر العزيزة الاستقرار وتحكيم العقل من كل النخب لتظل مصر أرض الريادة ومحور الاستقرار دائما.