04 نوفمبر 2025
تسجيل■ ربما كثيرون سمعوا بمصطلح الكاميكازي الياباني أو « الهجمات الانتحارية « التي استخدمها اليابانيون في صراعهم مع الأمريكان وقوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، بعد أن أصبح وضعهم في الحرب ميؤوساً منه، فكانت طائراتهم تصطدم بالسفن الأمريكية كما لو أنها صواريخ موجهة. فكرتهم كانت في إيقاع أكبر كمية ممكنة من الخسائر في العدو، لكنهم في الوقت ذاته وضعوا نصب أعينهم أنهم ميتون لا محالة. فلم تكن طائراتهم حينذاك مجهزة بالكراسي القاذفة، وإنما كان الطيار جزءاً من طائرته.. لكن مشهد خروج أحد مجاهدي القسام قبل أيام مضت بعبوة ناسفة، والذهاب بها نحو « الميركافا « وهي أحد أفضل الدبابات في العالم، ليضع العبوة عليها ويرجع لموقعه، ثم من مسافة قريبة يقذفها بالياسين 105 وهي نسخة مطورة عن قذيفة التاندوم الروسية، لتنفجر الدبابة بمن فيها.. فهو مشهد غير مألوف وغير طبيعي في الحروب البرية، إلا من أشخاص يائسين ينتظرون حتفهم بعد ساعات قليلة، كما كان حال طياري الكاميكازي. لكن مجاهدي القسام أمرهم يختلف. أحدهم يقوم بمثل ذلك العمل بفدائية وجرأة نادرة، إنما هدفه ليس الانتحار، إنما مقاتلة عدو متترس وصاحب عتاد قوي محكم، ليلحق به الرعب المعنوي قبل الخسارة المادية. ذلك المشهد القسامي يعيد سيرة بعض الصحابة الفدائيين في معارك كثيرة ضد ملة الكفر. وتلك الشجاعة كانت واحدة من أسلحة الرعب المعنوية حينذاك ضد العدو، الذي كان ولا يزال يقاتل من أجل أن يحافظ على حياته ورفاهيته، إلا الفدائي المسلم الذي يقاتل وقد باع نفسه لله، ابتغاء مرضاته أولاً وأخيراً، بغض النظر إن تحققت نتائج مظفرة بعد ذلك أم لم تتحقق. ذلك أن المطلوب منه هو العمل والسعي وبذل الجهد وفق تخطيط محكم، لا يسأل ولا يُسأل عن النتائج، لأنها في علم الغيب. لكن يقينه رغم ذلك، أن من ينصر الله ينصره. وبهذا اليقين فتح الله على يد الصحابة الفتوحات العظيمة، وبهذا اليقين، سيفتح الله على من يأتي بعدهم بإذن الله. ■ طوفان الأقصى كانت بمثابة انفجار بركان ضخم أذهل العالم كله، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني. لم يكن يدر بخلد أحد من القريب أو البعيد. الصديق أو العدو، أن حماس تملك مبادرة البدء، على عكس كل المرات. فقد كان العدو يهاجم، ثم يكون الدفاع من كتائب القسام وبقية فصائل المقاومة. لكن هذه المرة، امتلكت حماس القدرة على فرض قرارها على العدو. هي من تختار الوقت والمكان لبدء الهجوم، وما على الطرف الآخر إلا الاستجابة، وهذا ما دفع بكثير من الإسرائيليين للقول بأن محمد ضيف أو السنوار هما من يتحكمان بملايين الإسرائيليين، متى الدخول إلى الملاجئ ومتى الخروج منها، في تطور لافت ومشهود، بل مطلوب استمراره دوماً. من المشاهد الملحوظة في الأحداث الجارية الآن في غزة، أن الحرب الإعلامية بدأت نتائجها تظهر سريعاً حتى ضاق الأمر بالعدو، وبدأ يستنهض كل من معه ويستغل أوراقه للوقوف أمام مد إعلامي ليس عربياً فحسب، بل عالميا غير معهود، يستنكر ويستقبح أفعال جيش الاحتلال، حتى تكونت سريعاً صورة ذهنية جديدة غاية في البشاعة لدولة الاحتلال، بعد أن قضى سنوات طوال في صناعة صورة ذهنية له. لكن بفضل الله، ثم حماقة العدو ومن يدافع عنه من صهاينة العالم، ومنهم صهاينة عرب، أن نشأت صورة ذهنية أخرى له سيحتاج سنوات وسنوات لمحوها من أذهان العالم، وستكون هذه الدولة حينها قد تلاشت بإذن الله. ■ صاحبت معركة طوفان الأقصى بضعة مشاهد انكشاف حقيقي، ما كانت لتتحقق لولا ما جرى في السابع من أكتوبر الفائت. فقد انكشف الزيف الغربي في قيمه وأخلاقه ومبادئه وإعلامه. وانكشف الزيف العربي الرسمي أكثر فأكثر عبر خنوعه وصمته المريب، بل تواطؤه الخفي المشين، عبر اتفاق ضمني غير معلن لتصفية آخر معاقل أهل السنة في المنطقة، واستغلال هذه الأحداث لتحقيق ذلك عبر الصهاينة والأمريكان. كما انكشفت الدناءة أو اللؤم الهندوسي عبر دعم كامل صريح ومعلن للعدو الصهيوني وبصورة غير مسبوقة، أملاً في دعم أمريكي عبر الكيان الصهيوني، يدفع بمشروع السيادة الهندوسية على المسلمين في الهند، نحو واقع أعمق وأرسخ ! انكشف بعض الإعلام العربي أيضاً عبر ذلكم التشويه المتعمد الحاصل الآن من أقلام وأفواه عربية على الفضائيات ووسائل التواصل الأخرى، وتحميل حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين مسؤولية ما يصيب غزة، والتشكيك في جدوى المقاومة العسكرية، بل وحتى المقاومة أو المقاطعة الاقتصادية للجهات الداعمة للحرب أو الكيان الصهيوني ومشاريعه. ولا شك أن ذلكم التشويه المتعمد مؤثر على المزاج الشعبي العام بعض الشيء، ولا ننكر أثره على خلط كثير من المفاهيم والتشويش عند العامة، وهم السند الحقيقي للمقاومة بعد الله سبحانه. ■ تلك الانكشافات ربما توحي وكأنما الله سبحانه هو من أراد أن يدير هذه المعركة بنفسه، كما أدارها سبحانه في معركة بدر الفاصلة، وذلك لأجل أن يكشف حقيقة العدو، ويكشف من معه من متواطئين، سواء من الملل الكافرة أم من منافقي الداخل والخارج. ها هم أولاء وقد انكشفوا جميعاً. عدو متغطرس لا يفقه قوانين وسنن الكون، ومنافقون منتفعون لا يتعلمون دروس التاريخ، ومجاهدون عرفوا المعنى العميق للتوكل على الله، والجهاد في سبيله لا غيره. وفي الأجواء حولهم غربان تنعق، وأصوات باطلة تنهق، تدعوهم ليل نهار (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل). نعم، قالها أهل غزة: حسبنا الله ونعم الوكيل، وإن وقف العالم كله ضدنا، فالله أكبر وأعظم، ولن يخذلنا أبداً. ونحن كذلك على اليقين ذاته من أن الله لن يخذل قوماً يصبرون ويصابرون لأجل إعلاء كلمة الله، والحفاظ على مقدسات دينهم، والحفاظ على أرضهم وعرضهم. فاللهم نسألك في ختام هذه الكلمة، أن تثبت أقدام المجاهدين وتربط على قلوبهم، وتزلزل الأرض من تحت أقدام الصهاينة الغاصبين، ومن معهم من حاقدين ومنافقين، عرباً وعجما. إنك سميع عليم مجيب الدعوات.