02 نوفمبر 2025
تسجيلتتسارع التطورات في منطقة الشرق الأوسط بحيث تبدو كما لو أنها على عتبة تحول في المشهد يعيد ترتيب المعادلات الإقليمية والدولية. ولقد بدأت تلك التحولات أولا مع الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا على مسألة السلاح الكيميائي السوري وتدميره خلال مدة تقارب السنة على الأكثر. وقد طوى هذا الاتفاق احتمال توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا. والتطور الثاني كان استتباع الاتفاق الكيميائي بتحريك المساعي لعقد مؤتمر جنيف2 الذي لا يبدو في الأفق موعدا لانعقاده بعد فشل الاجتماع التحضيري في جنيف يوم الثلاثاء الماضي. والتطور الثالث والمهم هو بدء مرحلة الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس باراك أوباما مع الرئيس الإيراني الجديد الشيخ حسن روحاني وواكبها لقاء ضمن اجتماع متعدد الطرف بين وزيري خارجية البلدين. في هذه الأجواء لفتت تحركات مختلفة وجديدة للمسؤولين الأتراك في اتجاهات لم تكن سابقا. فبعد جفاء طويل عادت اللقاءات المباشرة بين تركيا وإيران. رئيس البرلمان التركي جميل تشيتشيك يزور إيران ويلتقي معظم المسؤولين فيها.الرئيس عبدالله غول يلتقي في أبرز اللقاءات نظيره الإيراني في نيويورك. ويلتقي وزير الخارجية أحمد داود أوغلو مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف أيضا في نيويورك تليها زيارة لظريف نفسه إلى أنقرة. ومن التطورات المتعلقة بتركيا زيارة موفد تركي إلى بغداد نقل دعوة من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان إلى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لزيارة أنقرة بعد أن يسبقه داود أوغلو بزيارة إلى بغداد. ولا يمكن وضع ملف إطلاق المخطوفين اللبنانيين في أعزاز مقابل إطلاق سراح الطيارين التركيين المخطوفين في لبنان خارج إطار إشارات التحولات الإقليمية المتصلة بتركيا. هل من تحول في النظرة التركية إلى المشهد الشرق أوسطي؟ وهل هو حقيقة أم مجرد تكتيك؟ لقد رفع الأتراك منذ بداية الأزمة في سوريا وحتى اليوم شعار الإطاحة بالنظام في سوريا بل الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا. وبات هذا الهدف الشغل الشاغل لتركيا بحيث شكل تحقيقه أو الفشل في تحقيقه معيار النجاح في السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا والمنطقة. لا شك أن التطورات في سوريا والمخاطر التي صدّرتها الحرب هناك إلى دول الجوار بل المنطقة ككل تجاوزت مسألة بقاء الأسد أو رحيله بحيث بات البحث عن مخرج لإنهاء الحرب هناك أكثر من ضرورة من كل النواحي. لذلك لا يعرف بعد على وجه الدقة ما إذا كانت علامات الانفتاح التركي على إيران والعراق ولبنان تعكس تحولا جديا في الموقف من سوريا. ولكن التطورات الميدانية على الأرض في سوريا باتت عاملا ضاغطا أيضاً بعد دخول تنظيمات "داعش" و"النصرة" في صدام مع الجيش السوري الحر الذي تدعمه تركيا ويشكل ركيزة أساسية لنفوذها في سوريا. بين التغيرات السورية الداخلية والتحولات الإقليمية والاتفاق الروسي- الأمريكي واستبعاد لغة التهديد بضربة عسكرية تبدو أنقرة مرتبكة في تحديد خياراتها. فهي لا يمكن أن ترى بقاء النظام في سوريا وقد راهنت وعملت بكل قوتها على الإطاحة به وهو ما يعتبر فشلا كبيرا للسياسة الخارجية تجاه سوريا كما أنها ضربة شخصية لأردوغان. لكن في الوقت نفسه تجد تركيا نفسها أيضاً محاصرة بمخاطر كثيرة وغير قادرة على التمرد على واشنطن والبقاء بالتالي معزولة عما يجري خصوصا إذا تواصل المسار الانفتاحي للولايات المتحدة مع روسيا وإيران وإذا تواصلت المتغيرات الميدانية في سوريا لغير صالح القوى التي تدعمها تركيا. على ما يبدو فإن حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا تتحسب لمسار جديد في المنطقة لا تريد أن تبقى خارجه خصوصا في ظل وجود جيران مباشرين مثل سوريا والعراق وإيران على حدودها، ولكن أنقرة لا تزال تراهن ضمنا على فشل هذا المسار والعودة إلى مسار إسقاط النظام السوري بالقوة المسلحة وهي على استعداد للانخراط به مجددا إذا ما انقلبت الظروف.