19 سبتمبر 2025

تسجيل

الصحفيون العرب وجمعية الطيور!

09 نوفمبر 2013

(هذا الشبل من ذلك الأسد) مقولة عميقة الدلالة التي يبدو ظاهرها في كثير من الأحيان المدح والتقريظ؛ لكن في أحيان أخرى يراد بها التشبيه فقط من غير أن تحمل مضمون المدح، بل بالعكس قد يكون مقصود تشبيه ابن بأبيه في خصلة سيئة وممقوتة.. الاتحاد العام للصحفيين العرب عقد الأسبوع الماضي اجتماعه الدوري لأمانته العامة ومكتبه الدائم بدولة الكويت، وكنت حاضراً ضمن وفد الاتحاد العام للصحفيين السودانيين.. مؤسسات العمل العربي العديدة بدءًا بالجامعة العربية وانتهاء بجمعيات الرفق بالحيوان لا تجيد سوى (اللت والعجن) والخلاف والاختلاف والجدل أو الجدال الذي لم يوصلنا يوماً إلا إلى طرق فرعية، بل أورثنا انحرافاً مستمراً عن الطريق الرئيسي أو لبّ الموضوع وينفض كل اجتماع سواء كان على مستوى القمة أو غير ذلك من المستويات العديدة و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت"، وتعود الوفود بعد الاستمتاع بالسكن في الفنادق ذات الخمس نجوم وتبادل (حب الخشوم) بخفي حنين! على مدى ثلاثة أيام انتهى الصحفيون العرب إلى بيان مكرور منزوع الدسم؛ فبعد أن استغرقت السياسة أكثر من (90%) من الوقت والجهد والصياح والعراك، أحبط كل ذلك بإسقاط السياسة كل السياسة من البيان إلا ما كان شيئاً في نفس يعقوب، وذلك بعد اقتراح تقدم به وفد الدولة المضيفة (الكويت) ولا أدري كيف حصل على موافقة الأغلبية وانتهى كل شيء بجرة قلم أو اقتراح تسرب كما يتسرب الماء من بين الأصابع المرتجفة.. إن لم يمارس الصحفيون فضيلة النقد لأعمالهم وتصرفاتهم فهم ليسوا جديرين بنقد الآخرين ومخاطبتهم من علٍ، حيث منصة الأستاذية الآيلة للسقوط.. نعم حذفوا السياسة وليس كل السياسة، إذ أُبقي بعض النذر بشكل متعمد، مستهدفاً بعض الأنظمة دون غيرها؛ إذ كيف يطالب البيان الحكومة التونسية بإطلاق الحريات وعدم تكميم الأفواه – حسب تعبير البيان – وفي الوقت نفسه يتجاهل قضية الحريات الصحفية والإعلامية في مصر وكذلك في العراق؟! وكيف يطالب البيان بعض الدول بالاسم بإطلاق سراح زيد وعبيد ولا يطالب تلك العاصمة التي مازالت تنكل بإعلاميي وصحفيي قناة الجزيرة بشيء مماثل؟. لقد سقط الصحفيون العرب في امتحان الصدقية والمهنية والنزاهة وهي أدوات ضرورية لممارسة هذه المهنة التي ابتذلت أيما ابتذال، وأصبحت في كثير من البلدان العربية بوقاً للسلطان الجائر، تجمل القبيح وتقبح الجميل. لعل أكثر ما استحوذ على النقاشات وضعية اتحاد الصحفيين القانونية في مصر حيث مقره الدائم؛ فقد أعلن المستشار القانوني للاتحاد وهو في نفس الوقت عضو مؤثر في مجلس الدولة بمصر، أن الاتحاد مازال في وضعية منظمة أهلية بتصريح عمل تمنحه وزارة الضمان الاجتماعي، وهذه الوضعية تجيز للسلطات المصرية إلغاء ترخيصها في أي وقت، فضلا عن المراجعة الدورية لحساباتها.. حينها صاح أحد المجتمعين قائلا: (يا للهول، يعني الاتحاد مثله مثل جمعية الطيور؟!).. كان وقع توصيف ذلك الرجل كوقع الانفجار الهائل وحينها اختلط حابل التعليقات الساخرة بنابل تمتمات وهمهمات الدهشة والمفاجأة.. لماذا سكتت رئاسات الاتحاد المتعاقبة على هذا الأمر الخطير وقد مضى على قيام الاتحاد خمسون عاماً، حيث يحتفل في نوفمبر الماضي بعيده الذهبي؟! النقاش الهادر انصب على ضرورة تحصين الاتحاد باتفاقية دولية مع دولة المقر مثله مثل جامعة الدول العربية؛ لكن متى يتحقق ذلك الحُلم وهل تذهب تلك الغضبة هباء منثورا بعد أن انفض السامر؟ هل يمتلك أعضاء الاتحاد الإرادة اللازمة لتغيير النظام الأساسي للاتحاد لينبني عليها توقيع تلك الاتفاقية المأمولة؟ ثالثة الأثافي كانت الأوضاع المالية للاتحاد؛ فقد أعلن نائب رئيس الاتحاد مؤيد اللامي (عراقي) والذي أدار الاجتماعات نيابة عن رئيس الاتحاد أحمد بهبهاني (كويتي)، أن الاتحاد قد يعلن قريبا إفلاسه ما لم تحدث المعجزة!، وطالب بتجميد عمل لجان الاتحاد حتى يحدث الله أمراً كان مفعولا.. عضو آخر انتقد تأخر أعضاء الاتحاد من النقابات والجمعيات العربية في دفع اشتراكاتها السنوية (حوالي ثلاثة آلاف دولار)، وطالب بحرمان الدول المتأخرة بعد حضور الاجتماعات السنوية، في حين قال اللامي إن الاشتراكات لا تكفي لتغطية نفقات الاتحاد حتى لو التزم الجميع بتسديد الاشتراكات.. آخر انتفض غاضباً من مقترح عزل الدول المتأخرة في سداد اشتراكاتها قائلا: (أتريدون أن يصبح الاتحاد نادياً للأغنياء فحسب؟!).. بربكم أليس ما يحدث في اتحاد الصحفيين العرب هو عين ما يحدث في سائر مؤسسات العمل العربي؟. أليس الاتحاد جزءا أصيلا من واقع عربي مأزوم، مما جعل إسرائيل تسرح وتمرح كما تشاء بينما نحن مشغولون بأنفسنا؟ عدا الدول المعلقة عضويتها كالجزائر وتلك التي تسعى لاستكمال أوراق عضويتها مثل جيبوتي، افتقدت وجود قطر وهي دولة يمكن أن تساهم بفعالية لتصحيح أوضاع الاتحاد، فالأمل أن تلتحق قطر بالركب قريباً، فهي جديرة بملء المقعد الشاغر.