17 سبتمبر 2025
تسجيلقال صاحبي: حفظ المال هدف كبير من أهداف الشريعة، وقد شرع المولى عز وجل جميع الأحكام المالية في البيع والشراء والقرض والهبة.. ونحوها على العدل، ولهذا حرم – سبحانه - جميع المعاملات التي تقوم على الظلم والجور، كالربا والغش والاحتكار والرشوة وتطفيف الكيل والميزان ونحوها، قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)، "البقرة: 188" ودعوات الأنبياء جميعا – عليهم السلام – وقفت سداً منيعاً في مواجهة الجور والظلم والتسلط والجشع، قال الله تعالى على لسان نبيه شعيب (ص): (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)، "الأعراف: 85" وقبل نزول الكثير من الشرائع على نبينا صلى الله عليه وسلم في العهد المكي، واجه صلى الله عليه سلم، جشع المشركين وفسادهم المالي، وتنزلت عليه الآيات في ذم الظلم وبخس الحقوق، قال تعالى: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم)، "المطففين: 1-5". إن للعامل الاقتصادي تأثيرا كبيرا في حياة الشعوب، لذا كان التطاول على الأموال العامة، أو على أموال الناس، من أكبر أنواع البغي والظلم، وقد اشتد تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: "اسمعوا مني تعيشوا: ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا" إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" أخرجه أحمد 299/34 رقم 20695. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة"، أخرجه البخاري. وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما – قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في النار.. فذهبوا ينظرون فوجدوا عباءته قد غسلها. ومن تأمل حديث أبي أمامة الحارثي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه: "فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة" فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ فقال: وإن كان قضيبا من أرائك... ومن تأمل هذا الحديث أدرك أن ظلم الناس معاشهم من أعظم الجور وأبشع العدوان. قلت لصاحبي: في ظل التردي الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة في كثير من بلادنا الإسلامية، يكون أثر التظالم المالي أشد خطرا على الناس، وأقوى تأثيرا على المجتمعات. قال صاحبي: من أجل ذلك كان من واجب المصلحين أن يحفظوا حقوق الناس، ويدافعوا عنها، ويواجهوا طغيان الفساد المستشري في الأمة، امتثالاً لقوله تعالى: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون)، "المائدة: 63 ". وها هو ذا الفضيل بن عياض يضرب لنا مثلا عظيما في رعاية شؤون الناس حين يقول: "إني لأستحي من الله أن أشبع حتى أرى العدل قد بُسط وأرى الحق قد قام". أبو نعيم الأنصاري، حلية الأولياء: 8 /108 والله من وراء القصد