21 سبتمبر 2025
تسجيلالفقر ظلم والفقير هو الذي لا يستطيع تأمين حاجاته الأساسية البديهية بما فيها الغذاء والدواء. الفقير لا يخلق الفقر بل هو ضحيته، إذ أن هيكلية المجتمع والسياسات المعتمدة هي المسؤولة عن الفقر وبالتالي وجب الاهتمام بالفقراء. ما زال عدد الفقراء كبيرا جدا في العالم، علما أن تحديد مستوى الفقر بالنقد يختلف بين دولة وأخرى تبعا لغلاء المعيشة والعادات والتاريخ والتقاليد. ينتشر الفقر ليس فقط في الدول النامية والناشئة وإنما أيضا في الدول الغنية خاصة في مدنها. ما نلمسه من فقر مثلا في مدينة نيويورك لا نشاهده في المدن العربية، مما يشير أيضا إلى توسع فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء في الدول المتقدمة. كي تنجح محاربة الفقر لا بد من تطبيق سياسات متنوعة متكاملة تضرب مصادره قبل أن تعالج الواقع. من مصادر الفقر سوء الغذاء والصحة والتعليم، ولا يمكن إلغاء الفقر دون تحسين مستوى الخدمات الاجتماعية أفقيا وعموديا. معالجة الواقع صعبة ولا تقتصر على المساعدات وإنما تشمل خاصة تمليك الفقير وسائل الإنتاج كي يدخل إلى عالم البناء والنمو. محاربة الفقر تعني السماح للفقير بالعيش بكرامة أي يمول معيشته، وبالتالي لها زوايا مادية ومعنية ونفسية. من الوسائل المنتشرة منذ أكثر من 40 سنة هي قروض الفقراء التي تسمح لهم وللنساء خاصة بالاقتراض للإنتاج في الريف كما في المدن. هل يمكن للقطاع الخاص القيام بالإقراض من دون تدخل الدولة. في الواقع كانت هنالك تجارب مرة قامت خلالها الحكومات بالإقراض، إلا أن تداخل المصالح السياسية بالاقتصادية عطل المهمة بل أساء إليها. من الأفضل أن يقوم القطاع الخاص بها شرط أن تقوم الدولة بتأمين المناخ المناسب للعلاقات المالية، أي تأمين خدمات قضائية فاعلة تساهم في تنفيذ العقود بين المقرض والمقترض. من مهماتها تأمين تسجيل الملكية وتوفير معلومات عن المقترضين مما يسهل عملية الإقراض. من واجبها تحديث القوانين مما يسمح للأفراد والشركات بإقامة علاقات وعقود شفافة وواضحة ضمن القانون. من واجب الدولة إيجاد رقابة فاعلة على القروض الصغيرة منعا لاستغلال الفقراء شرط أن تكون مستقلة عن السياسة والسياسيين وحتى مستقلة عن الرقابة المصرفية العادية لأن الطرق والمنهجية مختلفتان. لم تكن المصارف التجارية العادية مهتمة بإقراض الفقراء حيث لجأوا إلى المرابين الذين أرهقوهم بالفوائد العالية التي هي حقا ربا. لا تهتم المصارف بهم لأن الضمانات العادية غير متوافرة ولأن تحصيل المعلومات عن المقترضين الفقراء صعبة ومكلفة. كانت هنالك فجوة دولية كبيرة أسهمت في تعميق الفقر وامتداده واستمراره في كل المجتمعات. انتقل الفقر من أجيال إلى أخرى بسبب غياب المعالجات وانعدام الفرص التي يمكن للفقراء اقتناصها. تقول "هيلاري كاينتون" إن إقراض الفقراء لا يرتبط فقط بفرص الإنتاج وإنما هي مسؤولية المجتمعات الديمقراطية. أدخلت كلينتون مصارف الفقراء إلى نيويورك نفسها، حيث كانت أحد ممثليها في مجلس الشيوخ وذلك قبل أن تتولى قيادة وزارة الخارجية. محاربة الفقر تتطلب إرادة وعزيمة ليس فقط من قبل الفقراء أنفسهم وإنما أيضا من قبل الحكومات والمؤسسات والمجتمع الدولي كما المحلي. يجب نقل الفقراء من مشاهدين إلى مساهمين في التقدم الاقتصادي العام، وهنا تكمن أهمية الإقراض للإنتاج. المطلوب وجود مؤسسات مقرضة ذات أهداف اجتماعية تحقق الربح المعقول بحيث تستمر في عملها. تشير دراسات الأمم المتحدة المبنية على تجارب 40 دولة نامية أن نسبة الإنجاب تنخفض عندما تدخل النساء إلى عالم الاقتراض والإنتاج. سمح الإقراض للمرأة بتعلم القراءة وبالتالي أعطاها سلاحا قويا ضد الفقر. إعطاء الفرص للنساء كان أجدى وأفعل من البرامج الاجتماعية الهادفة إلى مساعدة العائلات وتحديد نموها العددي. في الهند مثلا، ثلثا الفقراء مقترضون بينهم 23% من قريب أو صديق، 18% من مرابين، 37% من الشركات و6.4% من مصادر مصرفية وذلك قبل توافر القروض الصغيرة. أتت القروض لتغطي حاجات كبيرة، حيث هنالك اليوم عالميا حوالي 3500 شركة تعطيها لما بين 150 و200 مليون مقترض.