13 سبتمبر 2025

تسجيل

من التالي بعد "داعش"؟

09 أكتوبر 2014

لم أكن أتوقع أن يأتي يوم أرى وأسمع فيه أن أمريكا والغرب يشنون حربا على جهة أو هيئة أو جماعة أو دولة منسوبة للإسلام وأرى أنني كالكثيرين من المخلصين والغيورين غير مستفز أو غير راغب في فداء هذا المسمى بالنفس والولد والمال والجهد وكل إمكان.. لولا أن داعش هذه قدمت صورة سيئة عن الإسلام كحضارة وحكم ورسالة وكأشخاص وعلاقات ولولا أنها نفّرت الناس منها وأعطت الانطباع بأنها تقاتل لصالح النظام الطائفي المجرم.. لسنا من السذاجة لنصدق أن داعش هذه لديها من القوة ما تقيم بها دولة في أقل من نصف سنة تفرض سيطرتها على أجزاء مهمة من العراق وسوريا، ثم تنقلب على حاضنتها التنظيمية - القاعدة – وعلى حاضنتها الفكرية - الإسلاميين - ثم يصير لها من الهيبة ما تخافها به جيوش كبرى وأن تحتاج مواجهتها لتحالف أربعين دولة، من ضمنها ثلاث نووية والناتو.. ولكن الذي يمكن تصديقه هو أنها صنيعة الذين مكّنوا لها بالانسحاب أمامها وبإخراج آلاف القاعديين من سجونهم وشحنها بهم.. أما إن سألنا عن سبب إيجادهم لها وتقويتهم لها فتلك أسباب وليست سببا واحدا، أليس تجميع القاعديين في مكان للقضاء عليهم مصلحة راجحة للغرب؟ أليس إعطاء صورة سلبية عن الإسلام بأنه يذبح الخصوم وأنه لا يحمل رسالة حضارية غاية مهمة لدى أعدائه التاريخيين؟ أليس خلط الثورتين السنيتين في العراق والشام بهذه الداعش المتهمة والمرفوضة يسهل ضربهما ويسوغ القضاء عليهما؟ أليست إعادة ترميم التحالف الذي ضرب العراق مرتين هدفا يستحق الإحياء بالنسبة لمفتقديه في ظل ثورات الربيع العربي وسقوط النظم المتصهينة؟ أليس صناعة دولة إسلامية - بهذا المسمى – تكون سهلة الهزم والقضم والهضم يسجل نصرا تاريخيا لأعداء الإسلام على الاسم والمسمى؟ لكن في التحالف دولا عربية تدافع عن قرارها ومواقفها بتخوفات وحسابات قد تبدو منطقية.. ولاستجلاء ذلك ورصد مدى جدية المواقف وصدقيتها لنا أن نسأل.. ونسأل: * إذا كانت الحرب على داعش فلماذا يتم استهداف بقية الفصائل غير المتهمة بما تتهم به داعش، كالنصرة وأحرار الشام ومناطق السنة في العراق؟ * وإذا كانت داعش متهمة بالاستبداد والإرهاب وقتل المخالفين، فهل الذين يقاتلونها اليوم أقل استبدادا وإرهابا، أم هم أساتذة في الديمقراطية؟ وهل الانقلاب في مصر الذي قاتل داعش ليس إرهابيا وهو الذي قتل الإعلام المعارض وجير القضاء وقتل الآلاف وحرق المساجد وقطّع الشعب وخرب عقيدة الجيش؟ أم أن أمريكا التي تقود التحالف ليست متهمة بالإرهاب وهي الوحيدة عبر التاريخ التي قصفت المدنيين في اليابان بالقنابل الذرية قديما والتي لا تزال تتبنى الإرهاب والاحتلال الصهيوني وتدعمه بكل أنواع الدعم بالمخالفة لكل منطق أخلاقي أو قانوني.. وترتكب – حسب تقارير حقوقية دولية - جرائم وفظائع بحق المدنيين في أفغانستان؟ * وهل يجوز للرأي العام أن يتخلى عن المتابعة والاهتمام بما يجري على داعش أو على أي فريق سياسي، سواء كانت المواجهات التي يتعرض لها ساخنة أو باردة، وسواء كانت استئصالية أو تكتيكية، وسواء كان العدوان على فريق قومي أو إسلامي؟ أليس تنحي الرأي العام عن الاهتمام هو تفويض لأمريكا وحلفائها في التصرف في المنطقة والحاضر والمستقبل بما لا يصح بأي لغة وبأي كيفية؟ * ولنا أن نتساءل أيضا ما مصدر كل الرواية حول داعش وأفكارها وإرهابها؟ أليس هو – حتى الآن - ما يقوله خصومها؟ ثم أليس وجود أمريكا وإسرائيل في الجهة المقابلة لها يعطي إشارة أو قرينة على شيء ما؟ * وهل الغرب مؤتمن على حروبنا ومصالحنا إلى هذا الحد؟ أليس قد خاننا وخدعنا في كل مرة تعاونت فيها أمتنا معه؟ ألا نتذكر الحرب العالمية الأولى يوم تعاونا معه فكانت مكافأتنا اتفاقات سايكس بيكو وسان ريمو واحتلال بلادنا ونهب كل شيء؟ أليس قد خاننا في الحرب العالمية الثانية يوم طلب حلفنا على وعد منحنا الاستقلالات الوطنية ثم لما انتهت الحرب وقام إخواننا في الجزائر بطلب الاستقلال، ألم يقتل منهم في العام 1945 وفي يوم واحد 45 ألفا؟ ثم أقام الكيان الصهيوني عام 1947؟ أليس قد تحالفنا معه في 1990 وارتفعت أصوات المستوى الأول في الدبلوماسية الأمريكية تؤمل بعملية السلام وقرب حل القضية الفلسطينية.. فلما جاءت لحظة الوفاء هل تمخض الجمل إلا عن اتفاق أوسلو المشئوم والمعطل حتى اليوم بعد 21 سنة؟ فما الذي يجعل هذه المرة مختلفة؟ آخر القول: صحيح أن داعش قد أعطت الفرصة لاستهدافها واستهداف اسم الإسلام بأخطائها وخطاياها، ولكن صحيح أيضا أن التحالف ضدها هو غربي صهيوني بامتياز.. ومن المنطقي أن نسأل "من التالي بعد داعش؟".