12 سبتمبر 2025

تسجيل

المتاجرة بالإرهاب

09 أكتوبر 2013

شاع الحديث خلال الفترة الماضية عما سمي بالفاشية الدينية أو المتاجرة بالدين، واستخدمت هذه الديباجات من أجل تبرير الانقلاب على النظام الشرعي المنتخب، ولم يلتفت أحد إلى أن الانقلابيين يستخدمون فاشية من نوع آخر، يمارسون من خلالها المتاجرة بالإرهاب وبالحرب عليه. وفيما يلي نحاول أن نقف على أهم ما يشير إليه الاستخدام المتكرر لخطاب "الحرب على الإرهاب" في مصر ما بعد الانقلاب. استدعاء خطاب "الحرب على الإرهاب" يشير أول ما يشير إلى الرغبة في التجمل أمام الخارج، فالنظام الانقلابي، وهو في طور البحث عن الاعتراف الدولي، يحاول أن يخاطب الخارج باللغة التي يفهمها، وذلك باستخدام الديباجة التي سبق وسوغت بها القوى الكبرى أفعالها المناهضة للقانون الدولي ولقواعد العدالة والإنسانية. فقد مثل سيناريو الحرب على الإرهاب العنصر الأساسي في سياسة الولايات المتحدة الخارجية منذ مطلع الألفية، كما تكررت نفس هذه التيمة في خطاب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عند وصفها للمقاومة الفلسطينية. وبقيام الانقلاب على النظام الشرعي المنتخب في الثالث من يوليو انضم نظام جديد إلى قائمة المتاجرين بالإرهاب. أما على المستوى الداخلي فاستدعي شعار "الحرب على الإرهاب" من أجل بناء شرعية من الانتصار على عدو وهمي. فعلى خلاف الأنظمة السابقة التي كانت تمتلك رصيدا من الشرعية (ناصر- الثورة، السادات- حرب أكتوبر، مبارك- الضربة الجوية، مرسي- الانتخابات)، لا يمتلك النظام الانقلابي الحالي من الإنجازات ما يبادله في مقابل الشرعية، اللهم إلا انقلابه على الرئيس المنتخب، وفي مثل هذه الأحوال توفر مقولة "الحرب على الإرهاب" بديلا معقولا لشرعية يصنعها النجاح في القضاء على عدو مفترض. فمن خلال حرب نفسية في الإعلام، وحرب مادية على الأرض، يتم في النهاية إعلان الانتصار على عدو وهمي ومن ثم حيازة شرعية قوامها النجاح في القضاء على هذا العدو. من ناحية ثانية يؤدي استدعاء سيناريو الحرب على الإرهاب إلى تخدير مشاعر الجماهير ومنعها من التعاطف مع الضحايا من أنصار الشرعية، على اعتبار أنهم يستحقون ما ينالهم بوصفهم أشرارا معادين للمجتمع وللدولة ومتحالفين مع الخارج، وفي الوقت نفسه يؤدي هذا الاستدعاء إلى إضفاء صفات البطولة على القتلة بوصفهم مخلصين للمجتمع من تهديد الإرهاب الخطير. وبدلا من أن تثير المذابح التي يقوم بها الانقلابيون ضمير الرأي العام، تصبح وقودا لاستمرار الانقلاب، كما تعفي مرتكبيها من عبء تبريرها، حتى يصبح تصاعد رقم الضحايا مطلوبا لإضفاء المزيد من الشرعية على الفعل الانقلابي! من ناحية ثانية فإن شعار "الحرب على الإرهاب" يمهد الأجواء أمام الانقلابيين للتخلص الكامل من خصومهم وإزاحتهم من المشهد السياسي، إذ يرتبط استخدام هذا الشعار بمحاولة صناعة صورة تتضمن عدم وجود طرف آخر يمكن الحوار معه. فالخصوم بوصفهم إرهابيين لا يستحقون مجرد الوجود، وهم بحسبانهم مارقين فإن دمهم مهدر ويحق التخلص منهم فورا وبدون تردد، ومن دون انشغال بالتفاصيل القانونية المترتبة على إبعادهم أو القضاء عليهم، فهم ليسوا مجرد أعداء للدولة والمجتمع ولكنهم أعداء للحياة نفسها، ومن هنا يمكن سلب حقوقهم ونفي وجودهم. ويشبه هذا ما تقوم به إسرائيل عندما تسمي خصومها من الفلسطينيين إرهابيين، محاولة بذلك إعفاء نفسها من عبء التفاوض معهم. وبالمثل فإن النظام الانقلابي بعد أن فشل في إجبار الطرف المتمسك بالشرعية على الاعتراف بالأمر الواقع والإقرار بالانقلاب، بدأ في نعته بالإرهاب لكي يعفي نفسه من محاولة التفاهم معه أو إقناعه بالاستسلام. ما يميز تكتيك الحرب على الإرهاب أن الأنظمة التي تتبناه قد لا ترغب فعلاً في التخلص من الإرهاب على اعتبار أنه يؤدي لها خدمة أساسية، فمن خلال استمرار الحديث عن الإرهاب تبرر هذه الأنظمة وجودها، وتمرر أفعالها التي تتميز عادة بالإفراط في استخدام القوة وبالاستهانة بالضحايا وعدم الاعتداد بهم. ولكن خطاب "الحرب على الإرهاب" إذا كان قد خدع بعض الناس لبعض الوقت فإنه لا يمكنه أن يخدع كل الناس طوال الوقت. فكما فشل على المستوى الدولي، أو على الأقل لم يحقق أغراضه الأساسية، سوف يثبت فشله على المستوى الداخلي، فمن ناحية لن تتمكن قوى الانقلاب مهما أكدت على فكرة أن خصومها من داعمي الشرعية هم إرهابيون وقتلة ومصاصو دماء، لن تتمكن من أن تنزع عنهم صفة الشرعية ولن تستطيع أن تنفي وجودهم. ومن ناحية أخرى لن تنجح قوى الانقلاب في جر المحتجين السلميين من أنصار الشرعية إلى استخدام العنف الذي لا تلجأ إليه إلا الأطراف الأضعف. وحتى لو سلمنا بأن هناك إرهابا حقيقيا، وأن هناك جماعات ترفض فكرة الدولة، وتعلن الحرب على كل من ينتمي إليها، فإن التغلب على هذه الجماعات لن يتم بالمدرعات والدبابات والاعتقالات العشوائية، وإنما بمقارعة الحجة بالحجة والفكرة بالفكرة، وقبل كل ذلك من خلال سلاح التنمية الكفيل باستيعاب أفكار التطرف ودمجها في إطار جهود البناء والتعمير.