14 سبتمبر 2025

تسجيل

الشعور بالانتماء

09 أكتوبر 2013

يعتبر الشعور بالانتماء من الحاجات الأساسية التي يتشكل منها بناء نفس الإنسان. وهو حاجة وشعور مؤثر ومهم في تقدير الإنسان لنفسه، فمن خلال هذا الشعور يحدد الفرد قيمته عند المجتمع وكذلك يستشعر قيمة المجتمع في حسه. والشعور بعدم الانتماء هو غربة حقيقية يعيشها بعض الناس، وتضعف من إنجازاتهم المتوقعة منهم، أمام أنفسهم وأمام الآخرين كذلك. إن التكوين الإنساني لا يحقق نموه الطبيعي خارج إطار جماعة يستوعب من خلالها حجم مسؤوليته ودوره الذاتي والمجتمعي. وتختلف أشكال الانتماء وأساليبه ولكن في النهاية هو سلسلة متتابعة ومتواصلة من خلالها يتشكل الانتماء كمبدأ ومعيار وقيمة أخلاقية توجه سلوك الإنسان وتضبط انفعالاته وتضمن له درجة جيدة من التوازن بين حقوقه وواجباته. إن مجرد التواجد داخل جماعة لا يعني بالضرورة الشعور بالانتماء لها، وفي الحقيقة أن شعور الفرد بحاجات الجماعة ومتطلباتها واستشعاره لدوره المهم لمساندة جماعته هو الانتماء الذي من خلاله يكون للتواجد معنى وهدف. والحقيقة أن الشعور بالانتماء يبدأ في تكوينه وتشكيله من سنوات عمر الطفل الأولى، فالأسرة التي تربي أبناءها على أساليب عشوائية تقتصر على التدليل والحماية المفرطة أو التي تتبنى التعنيف والتوبيخ والإهمال، هي بيئة تحرم أبناءها من تنمية المشاعر الإيجابية المتبادلة والتي منها الشعور بالانتماء. إن العلاقة الأسرية التي تعتمد في أساليبها على تنمية مفاهيم التقبل والاحترام وتنشيط الحوار المتبادل وتدريب الأبناء على اتخاذ القرار والتبادل في العطاء مقابل الأخذ واحترام حدودها وتقبل حدود الطرف الآخر هي بيئة صحية لتنمية وبناء الشعور بالمسؤولية، إنها بيئة تؤمن بخصوصية الفرد وبأهميته وليس بمجرد وجوده الجسدي. الانتماء يبدأ حاجة وشعورا ثم يصبح مبدأ وقيمة وسلوكا تحضريا يجعل للفرد أهدافه الشمولية التي تتعدى حدود الأنانية الفكرية والتمركز حول الذات. إن تغذية الشعور بالانتماء تأتي من عدم تهميش دور الطرف الآخر مهما كان ضئيلاً. ذلك لأن أي عملية بنائية هي عملية متسلسلة وتبدأ من أسفل الهرم، وحتى الوصول للقمة، الانتماء هو الخطوة المبدئية لتماسك الأسرة ومن ثم المجموعة ومن ثم المجتمع بأكمله. إن الإنسان عندما يتعلم أن يحترم ذاته من وقت مبكر ويقدر حاجاتها ويعي دورها في الحياة يحقق أول أشكال الانتماء والذي يكون الإنسان فيه منتميا لنفسه انتماءً إيجابياً يسهل عليه الانتماء لجماعته. إن الشعور بالانتماء يعمق الإحساس والشعور بالمسؤولية ويخرجه من عالم المفاهيم والمصطلحات الرنانة إلى عالم التطبيق والواقع الملموس. فإذا ما افترضنا أن الشعور بالانتماء هو حاجة فعلينا أن ندرك أن الحاجة هي شعور ملح تستقر النفس بإشباعه وتلبيته بالطريقة التي ترضي الفرد، فالشعور بالمسؤولية والقدرة على تحملها هو النتاج الطبيعي للشعور بالانتماء. إن الشعور بالقيمة الشخصية يتحقق من العمل مع وداخل الجماعة، ولا يعني ذلك مجرد المسايرة العمياء، فالانتماء مفهوم شامل متعدد يظهر في أرقى صوره وأنضج مستوياته حين يكون الفرد رائداً بفكره وطرحه وسلوكه، وعندما يؤمن أن دوره ليس أن يكون مردداً وتابعاً، وإنما هو في بعض الأحيان أو كثيرها يتبنى تصحيح المفاهيم وتوضيح المغالطات لجماعته. إن كل إنسان من خلال موقعه يحمل رسالة، ويستطيع إيصال رسائله بوضوح وثقة عندما لا يتصادم مع مجتمعه، ذلك لأن التصادم هو وليد الصراع مع الآخر وليس التكامل معه. ولعل من أنسب المواقف الاجتماعية التي من خلالها يتشكل مفهوم الانتماء هو منح الأبناء الفرصة للمشاركة في الرحلات والأنشطة التي تعودهم على خصال منها: * التعاون والمبادرة * التحمل والمواجهة * المشاركة في اتخاذ القرار * تبادل الأفكار مما يعزز مبدأ تقبل الطرف الآخر * الإيثار * رفع مستوى الأداء والحماس * التعرف على الخبرات الجديدة والاستفادة منها * اكتشاف المواهب من خلال التميز الفردي التصور المستقبلي لحياة الفرد لا يقوم عليه بمفرده، بل هو عمل عفوي أو منسق مشترك بينه وبين المحيطين من حوله، إن تنمية وتعزيز الحاجة للانتماء هو رغبة تحقق للإنسان درجة عالية من الرضا والاكتفاء.