26 أكتوبر 2025
تسجيلقبل حوالي ثلاثة وثلاثين عاما أعلنت دول الخليج عن إنشاء ما أطلقت عليه، مجلس التعاون الخليجي، وتحدثت صحافة الخليج آنذاك عن الآمال الكبيرة التي تنتظر دول الخليج في القريب العاجل، كما تحدثت عن المستقبل الجميل الذي ينتظر شعب الخليج، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.صدقنا آنذاك هذه الوعود، فدول الخليج تمتلك من المقومات ما يجعلها تحقق كل ما وعدت به وأكثر، ومضت السنة تلو الأخرى، ومضى اجتماع تلو آخر في هذا البلد أو ذاك ولم ير الخليجيون مما وُعدوا به شيئا، وبدأت الآمال تخبو شيئا فشيئا، حتى بدا أن معظم الخليجيين ما عادوا يكترثون لتلك الاجتماعات التي يعقدها زعماؤهم، فهم يسمعون جعجعة ولا يرون طحنا.ثلاثة وثلاثون عاما مضت لم يتحقق فيها للخليجيين شيء يُذكر، كلّ شيء على حاله، والوعود هي ذات الوعود، ولكنها بقيت وعودا تتلوها بيانات باهتة ما عاد يشعر بها أحد. ومع سوء الحال الخليجي ومع ضعف التعاون، إلا أن الأمر ازداد سوءا بعد الربيع العربي، حيث تفرق القوم ما بين مؤيد لذلك الربيع أو معارض له، ثم فوجئ الخليجيون ذات يوم فإذا بثلاث دول خليجية تسحب سفراءها من قطر لأسباب لم تُذكر بدقة، وإنما حاول كل خليجي أن يستنبط ما يراه سببا يبرر عملية سحب السفراء من دول أمضت ثلث قرن وهي تتحدث عن أهمية وجود وحدة خليجية بين دولها، فإذا بهذه الوحدة تنقلب إلى تفرق ما كان له أن يحدث مهما كانت الأسباب. دول الخليج تعيش حاليا أوضاعا استثنائية، فهناك أعداء يحيطون بها من كل جانب، عصابات الإرهاب التي تهددها، والحوثيون ومن معهم، كما أن الأوضاع في العراق وسوريا ومصر وليبيا كلها تؤثر على استقرار دول الخليج ووحدته، ولا يمكن هنا إغفال الدسائس الصهيونية والأمريكية، فهؤلاء يعملون كل شيء لابتزاز دولنا ولهم في هذا الباب وسائل كثيرة، فإذا أضفنا لهذا كله الخلافات الداخلية المزعجة في بعض دول الخليج أدركنا أن أي خلاف بين دول الخليج قد يضع كل هذه الدول في دائرة الخطر الذي قد يصعب عليها تجاوزه. الخليجيون كلهم يتطلعون إلى إنهاء الخلافات بين دولهم، فالشعب الخليجي يشكل وحدة واحدة، وهو مترابط بشكل كبير نعرفه جميعا، ولهذا كانت ردة فعله سلبية على قرار سحب السفراء، كما أن ردة فعله إيجابية على تصريحات وزيري خارجية عمان والبحرين تجاه ذات الموضوع.وزراء الخارجية اجتمعوا في جدة قبل أيام من أجل موضوع لمّ الشمل بين قطر والدول الثلاث التي سحبت سفراءها من قطر، وكالعادة لم يكن بيان الوزراء واضحا يحدد بدقة طبيعة قرارهم، ولكن تصريح السيد وزير خارجية عمان أعطى انطباعا بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، فقد أكد أن الأزمة أصبحت جزءا من الماضي وأنها حُلت داخل البيت الخليجي، وقال أيضا: إن الدول الثلاث ستعيد سفراءها إلى الدوحة.لكن الوزير لم يقل متى ولا ماذا تم في ذلك الاجتماع. وفي السياق نفسه جاءت تطمينات النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي رئيس الدورة، الشيخ خالد الحمد الصباح، فقد ذكر أن عودة السفراء قد تكون في أي وقت، وأن هناك معايير وضعت لتجاوز ما علق من شوائب وفي أقرب وقت.معالي الوزير أيضا لم يحدد متى يأتي ذلك الوقت ولماذا لا ينفذ في الحال، كما لم يتحدث عن طبيعة (الشوائب) ولا كيف ستزول. وبغض النظر عن كل ما ذكره الطرفان - الدول الثلاث وقطر - عن طبيعة الخلاف وأسبابه، فإن ما نفهمه أن من واجب كل دولة ألا تسيء لأي دولة أخرى بشكل مباشر.أما علاقات كل دولة مع الدول الأخرى فهذا من اختصاص كل دولة ومن شؤون سيادتها وهذا يفرض - أيضا - ألا تضع أي دولة للأخرى خريطة تحدد فيها كيف تتعامل هذه الدولة أو تلك مع بقية دول العالم، فهذا من شؤون السيادة والذي تحدده مصالح كل دولة على حدة.دول الخليج لا تحتمل مزيدا من الخلافات، فالكل بحاجة إلى الآخر، والظروف التي تمر بها دولنا تحتاج إلى مزيد من التماسك والوحدة وتنسيق المواقف، وإلا فالعدو متربص بالجميع، وإذا كانت هذه الدول قد أهدرت ثلاثة وثلاثين عاما لم تتمكن خلالها من صنع وحدة حقيقية تقبلها شعوب المنطقة وتصب في صالحها، فلا أعتقد أنه من مصلحتها إضاعة مزيد من الوقت في إحداث شروخ إضافية، فالمصلحة الخليجية تقتضي المبادرة إلى لملمة الخلافات وإصلاح الأوضاع الداخلية ومن ثم التفرغ للمشاكل الخارجية وما أكثرها.عودة السفراء يجب ألا تتأخر ولكن ليس المهم في رأيي عودتهم، فهذه العودة رمزية لا أكثر، فكل دولة تستطيع العيش بسلام دون سفراء الدول الأخرى، ولكننا نريدها عودة تزيل الخلافات بين الحكام وأيضا تحقق مصلحة شعب الخليج التي كان يحلم بها قبل ثلث قرن ولم ير منها شيئا غير الوعود.نريد تحقيق حرية الحركة دون جوازات ولا بطاقات هوية على الطريقة التي نراها اليوم والتي لم تحقق شيئا إضافيا عما كان موجودا من قبل، ونريد حرية في العمل في أي دولة وبنفس المزايا التي تعطى لمواطني ذلك البلد، وأيضا حرية التجارة والتملك، وباختصار نريد دول الخليج وكأنها دولة واحدة لا غير، هذا هو التغيير الحقيقي الذي يقوي العلاقة بين دول الخليج وشعوبها وبغير ذلك قد يمضي ثلث القرن الثاني في اجتماعات لا طائل منها، فهل يتحقق لشعوب الخليج ذلك؟ هذا ما ننتظره وهذا ما سيفرحنا حقا.