18 سبتمبر 2025
تسجيلتدخل تركيا يوم الأحد المقبل، العاشر من أغسطس، مرحلة جديدة من تاريخها عندما يتوجه أكثر من 50 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد للجمهورية عبر الاقتراع الشعبي للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية. وتكتسب هذه الانتخابات أهمية من أكثر من زاوية ولجميع الأفرقاء والمرشحين.يجري التنافس بين ثلاثة مرشحين، هم رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة وحزب العدالة والتنمية، وأكمل الدين إحسان أوغلو مرشح المعارضة، وصلاح الدين ديميرطاش مرشح الكتلة الكردية المؤيدة لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجالان المعتقل في السجون التركية.تمثل هذه الانتخابات ذروة السلم السياسي لأردوغان بعدما خاض حتى الآن ستة انتخابات بلدية ونيابية فاز فيها جميعا وها هو يخوض بنفسه المعركة الأهم على الصعيد الشخصي والوطني.ليست رئاسة الجمهورية بالموقع الذي يتطلع إليه الزعيم الباحث عن مجد يدخله التاريخ. فباستثناء أتاتورك ليس من اسم رئيس جمهورية واحد يكاد يذكره الناس في تركيا أو خارجها. ومن بقي في الذاكرة فهو الذي صنع مجده في رئاسة الحكومة قبل أن يقرر أن يرتاح ويصبح رئيسا للجمهورية.فصلاحيات الرئيس ليست كبيرة، قد تكون مؤثرة في بعض الأحيان ولكن السلطة التنفيذية، وفقا للدستور، هي بيد رئيس الحكومة، الرجل الأقوى في النظام السياسي. وإذا كان للمؤسسة العسكرية دور مؤثر جدا في السابق، فليس لصلاحيات تملكها، بل لواقع اغتصبته وفرضته على الأحزاب والسلطة السياسية تحديدا.وعلى هذا فإن أردوغان هو كمن يسعى ليصنع من الرمال قصورا راسخة إلى الأبد وهو أمر مستحيل.لكن أردوغان الذي سيصل الرئاسة في حال انتخابه عاريا من الصلاحيات المؤثرة، يملك مشروعا طموحا جدا لكي يكمل ما بدأه ويجعل من تركيا بلدا عظيما ولاعبا مقتدرا في محيطه والعالم. وأردوغان يرى أن ليس من أحد قادر على تنفيذ هذا المشروع أو استكماله سواه وهذه مشكلة تطال كل زعماء دول العالم الثالث الذين يختصرون البلاد والعباد والنظام بشخصهم فإذا اختفوا غرقت البلاد وإذا بقوا كان لها الارتقاء.غير أن أردوغان لا يريد هنا اغتصاب صلاحية أحد، بل يريد أن يغير النظام السياسي ليكون مركز الثقل رئيس الجمهورية وليس رئيس الحكومة، أي الانتقال بالبلاد من النظام البرلماني المتعدد إلى النظام الرئاسي الذي يحصر كل الصلاحيات برئيس الجمهورية، من قرارات وتعيين رئيس للحكومة ووزراء وأن يكون الرئيس حزبيا دون أي خجل أو مانع، أي يريد نظاما رئاسيا يستطيع من خلاله أردوغان أن يكون رجل تركيا القوي حتى العام 2023 ليحتفل بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، ليس ليتذكر مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك بالخير، بل لينعي الأسس التي قامت على أساسها، وفي مقدمتها مبدأ العلمانية، وليؤسس تركيا الحديثة وريثة الدولة العثمانية، وهو ما لا ينكره أردوغان، بل يعترف به علنا دون أي تردد أو تورية.في حال عدم فوز أردوغان بالرئاسة، فإن كل هذه الأحلام ستتبخر وسيطوي التاريخ صفحة كان اسمها رجب طيب أردوغان.أما مرشح المعارضة أكمل الدين إحسان أوغلو الشخصية المستقلة غير الحزبية، فلا يملك طموحات عالية جدا، ويكفي أنه ترشح بوجه أردوغان مدعوما من قبل المعارضة، ليعتبر أنه حقق انتصارا شخصيا، فكيف إذا ما فاز بالرئاسة. وهنا تعتقد المعارضة أن اختيار شخصية مستقلة ذات بعد إسلامي مثل أكمل الدين إحسان أوغلو هو فرصتها الأكبر لتغيير موازين القوى في تركيا، إذ إن أي مرشح حزبي آخر لن يحظى بنسبة الأصوات التي يمكن أن يحصلها إحسان أوغلو. وفي حال فوز الأخير فإن المعارضة تكون فتحت نافذة كبيرة في جدار سلطة حزب العدالة والتنمية والبدء بمسار تحطيم هذه السلطة بعد 12 عاما على وصولها إلى الحكم.وفي حال خسر إحسان أوغلو فإن خسائر المعارضة ستكون أقل، على اعتبار أنه لا ينتمي لأي من أحزابها.أما ديميرطاش فلا يريد سوى تثبيت حضور الكتلة الكردية التي لها مطالب مزمنة ووجودية وكيانية، بل ربما انفصالية إذا ما أتيحت لها الظروف. وهو بالتأكيد لن يبقى للدورة الثانية إذا ما كانت هناك دورة ثانية، لأن أصواته لن تتجاوز السبعة أو الثمانية في المئة.تركيا الأحد أمام مفترق طرق، كل الاستطلاعات تعطي أردوغان أرجحية الفوز ومن الدورة الأولى، ولكن عدم فوزه من الدورة الأولى سيفتح في الدورة الثانية الباب أمام كل الاحتمالات.