18 سبتمبر 2025

تسجيل

مصر والخروج من النفق المظلم

09 أغسطس 2013

لقد مرت مصر بظروف غير عادية ومفاجئة لغير المحللين السياسيين الذين توقعوا مثل هذا السيناريو، فمصر دولة مجاورة لإسرائيل وهي تمثل أمنا استراتيجيا للدول الغربية لهذا السبب ولمجاورتها لعدة دول وموقعها الجغرافي وكونها تمثل مصالح لهذه الدول التي كافحت وخططت لجعل مصر حليفاً لها بعد وصول السادات واتفاقية كامب ديفيد والعلاقات القائمة على الشراكة، وبلا شك أن القيادات التي حكمت مصر كانت من يقوم على هذا النهج، والغرب بذل جهداً في غسيل مخ وإعداد القيادات ما بعد الاتحاد السوفييتي ليس في مصر وحدها بل أوروبا الشرقية وحتى روسيا نفسها، هذا كان منهجاً لصراع المصالح بين الدول، وعندما رأت هذه القوى الغربية أن حسني مبارك وابن علي وغيرهما قد انتهت صلاحية مدتهم، كما قالت رايس، رأت أن تغيرهم، فالغرب كما قال ديجول، لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة وإنما مصالح دائمة، والولايات المتحدة تخلت عن الشاه ورأت أن ثورة الخميني تمثل مصالحها القادمة في المنطقة لإبقاء نفوذها في تلك المنطقة، ولذا نجد أن صناعات الجماعات المتطرفة كانت تسير في هذا النهج لإشغال المنطقة وإبقاء حاجتها للغرب، مثلما ضعفت الشيوعية في الستينيات، ولذا فإن الجماعات المتطرفة باسم الدين ستجعل الدول بحاجة للغرب وحمايته واستمرار وجود المصالح الغربية وتعوق التيار الإسلامي المعتدل والتوجهات القائمة على الوسطية التي كان لها دور كبير في نشر الإسلام بعد سقوط الشيوعية، والغرب كمبدأ لا يغرب بوجود ديمقراطية في العالم العربي مثل إسرائيل وشراكة وطن، بل يريد نموذجا مشرفا والنموذج الباكستاني، وهو حل يتغير بأساليب مختلفة وأشكال متنوعة الإخراج، لقد كان وصول الإسلاميين للسلطة بعد الربيع مقصوداً أو مطلوباً لإحراقهم والتهيئة لعودة أنظمة شمولية مع شيء من الحرية لأهداف استراتيجية بعيدة تعيد رسم خريطة المنطقة، ولذا فقد تم استدراج بعض الإسلاميين الذين لا تجربة لهم في الحكم ولا خبرة إلا بالعواطف والخطب الحماسية، ولذا نجد أن مشاركة الإسلاميين في مصر التي بدأت بعدم دخول انتخابات الرئاسة وكان رأياً صائباً وذلك من خلال المشاركة والتجربة الميدانية والقبول بالتوافق مع الآخرين للفترة الانتقالية، وبعد أن يتم إرساء النظام والدستور والمؤسسات يستطيع الجميع بمن فيهم الإسلاميون تقديم برنامجهم المبني على مشروع وطني ومشروع دولة وليس حزب من خلال الشرعية الدستورية، إلا أنهم للأسف لم يوفقوا ومورست ضغوط عليهم فيها إغراء للوصول للسلطة لهدف مبيت ولم يوفقوا حتى في اختيار الرئيس وطاقمه الذي هو عاطفي وليس لرجل دولة ولا خبرة لها بها، وكان بالإمكان اختيار الشخصية ذات الخبرة والحكمة في قيادة دولة كبيرة لها علاقات مهمة وواقع مهم، فكان نجاح الرئيس مرسي مدفوعاً من قوى كثيرة في الداخل تمثل مصالح الغرب لإفشاله، وللأسف الرجل ومن معه لم يوفقوا واختاروا رئيس وزراء لا علم له بأصول الحكم والدولة وتعاملوا وكأن المؤسسة الحكومية هي دولتهم وليست دولة النظام السابق ولم يكونوا واقعيين بالمرة ومارسوا نفس الأسلوب في الانفراد وما يمارسه كل الأحزاب والفئات بمصر التي مهما اختلفت الآراء، إلا أنها متفقة على عدم المشاركة بل الانفرادية لأن هذه مدرسة ثقافية واحدة، ومهما تحالفوا فهم أخيراً سيختلفون وسيمارس الجيش دوراً ضابطاً كما كانت تركيا والجزائر وباكستان، وما حصل من اشغال مرسي ليس جديداً فقد اعتقل جمال سالم وإعفاء مجلس الثورة برئاسة جمال عبدالناصر الرئيس محمد نجيب، ووضعوه في فيلا مهجورة لزينب الوكيل وما أشبه الليلة بالبارحة، وأما خروج الشعب فليس غريبا فبعد هزيمة 67 وضياع سيناء والجولان والقدس وغزة والضفة خرج المصريون حتى من المحافظات الذين وصلوا القاهرة قبل إعلان الرئيس استقالته وتمت عودته في مسرحية معروفة وتمت التضحية بالمشير عامر ومن معه وهكذا، فأجهزة الأمن والشرطة تستطيع جمع ملايين المتظاهرين في ساعة واحدة، وظن أنصار مرسي أن رابعة العدوية والنهضة ستعيده، وهذا محال لأن الإعلام تجاهلهم باستثناء قناة الجزيرة، والتحالفات ضدهم والغرب حقق هدفه، وأما إدخال حماس في الموضوع فهو أبعد من ذلك للضغط على حماس وحصارها للقبول بالتسوية السلمية والمفاوضات ولنجاح مهمة كيرى الأخيرة، فالمنطقة كلها مقدمة على صراعات وخلافات تأخذ أشكالا ونماذج مختلفة هدفها عدم معارضة تسوية سليمة تملي شروطها إسرائيل واستمرار تبعية الدول العربية للمصالح الغربية وعدم خروجها واستمرار النفوذ في المنطقة بقبول ورضا من هذه الدول دون الحاجة لوجود قواعد عسكرية، لقد نجح برنارد لويس ونجحت إسرائيل والغرب في تنفيذ أجندتها في المنطقة، فالكل بدون استثناء سار في هذا المخطط بالحرف الواحد لسبب واحد إن حب السلطة أعمى الجميع وشعوب وشباب لا يدركون ماذا يجري حولهم، هناك فراغ فكري، هناك أزمة قيادة، هناك أزمة ضمير، وهناك رجال يحبون السلطة، هناك عنف وتطرف وثقافة كراهية وإقصاء عند الجميع، لا يوجد عقلاء، ولا أقصد مصر وحدها وإنما الجميع من العرب، وأما جيوشنا فهذا الجيش الذي انتهى بالعراق لأنه كان جيشاً حزبياً والجيش السوري الذي انسحب من الجولان أثبت بطولات في تدمير سوريا، والجيش المصري اليوم يمارس نفس الدور فقد انهزم مع إسرائيل مرات ولكنه بطل في الشارع وهلم جرا.. جيوش العرب وجيوش باكستان التي انهزمت مع الهند تقمع الشعب، كان المفروض تشكيل لجنة حكماء في مصر يقبل بها الجميع تدعو لانتخابات مبكرة وتشكيل حكومة انتقالية ويخرج الرئيس بأسلوب حضاري فهو رئيس دولة منتخب وانتهاج سياسة العفو والتسامح ورص الصفوف وعدم الانجرار وراء العناد والشوارع، لم يحصل في التاريخ أن يحتكم الناس للشارع فأين الرجال والقادة والرموز، الحل في مصر الآن هو تشكيل لجنة مصالحة أقترح أن يكون فيها عمرو موسى وأحمد كمال أبو المجد وعلماء من الأزهر ومن الكنيسة وعقلاء من الأطراف المختلفة يلزموا الأطراف بالجلوس بمائدة مفاوضات وانسحاب المتظاهرين من التحرير ورابعة العدوية وغيرها وعودة الأمور لمجراها الطبيعي وإعلان عام ومصالحة ومسامحة وتعويض المتضررين ودعم عربي لمثل هذه المصالحة وتقديم تنازلات لصالح مصر وتجاوز المرحلة بالمحبة والأخوة ومنع الإثارة الإعلامية والحماسة ولا غالب ولا مغلوب والمنتصر هو مصر فقط.