19 سبتمبر 2025

تسجيل

تعظيم سلام ... الشعب بيتكلم

09 أغسطس 2011

عندما رأيت (فخامة الرئيس) في القفص تذكرت على الفور دكتور (حامد الدالي) جارنا في بورسعيد الذي كان ضيفاً دائماً على أمن الدولة والفاسين وجيم، كان كلما رأيته في إجازة وتحدثنا عن حال الدنيا والسياسة كان يرفع يديه إلى السماء ويدعو بأعلى صوته (اللهم أرنا فيه يوماً أسود) وتصورت كم مليوناً كانوا يشاركون جارنا العزيز.. الدعاء بحرقة ما لاقوه من غلب، وفقر، ومرض، وسجن، وظلم، وقهر، وعذاب وهم ومليون غم!! عندما رأيت مبارك في محبسه المهين نورت الآية البديعة (اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) لتكون عظة ما بعدها عظة! عندما رأيت (فخامة الرئيس) بلا ألقاب، ولا حرس رئاسي، ولا تعظيم سلام، ولا موكب مهيب أمامه وخلفه، ولا متحدث رسمي، وعندما سمعته يقول لرئيس المحكمة (أفندم.. أنا موجود) فهمت معنى كلمة (الخزي) التي قرأتها كثيراً ولم أعيها، وفهمت معنى أن يقول الإمام وهو يدعو خاشعاً (اللهم أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة) وأي خزي، وأي مهانة، وأي صغر، والحاكم محكوم، والجلاد موقوف، وعز السلطة ذل، والخيلاء والتيه استكانة، والسلطة سراب، وحماة السلطة ورجالاتها زملاء زنزانة الهوان، والمليارات المنهوبة حسرة، والقصور الوسيعة الفخمة غدت أمتاراً عليها حراسة مشددة! المنظر صعيب صعيب، ربما لأنه لم يخطر ببال بشر ولا حتى في الخيال لكن فعلها الشعب الذي صبر ثلاثة عقود كالجمال يزدرد العلقم ويبتلعه مخصوماً ممنياً نفسه بيوم فرج يأتي من رحم انتظار طويل ما مله الصابرون، الواقفون على حد السكين، الفاقدون كل شيء، كل شيء بينما (النظام والحاشية الخصوصي ينعمون بكل كل شيء، كان لابد أن يكون للصبر نهاية فكانت في يوم شمسه ليست ككل شمس، وفي نهار يختلف عن نهارات الوطن الحزين، وثار الطوفان ليعتدل المقلوب، وليقول المرسوم الشعبي صاحب الإرادة الشعبية الحرة بأمر شعب مصر (فخامة الرئيس محمد حسني مبارك في القفص) بأمر كل أم قتل قناصة النظام ولدها، بأمر الفقراء الذين أكلوا من (الزبالة) بأمر المساجين المساكين الذين لا جريرة لهم إلا (الصلاة في المسجد بانتظام) كتقارير أمن الدولة، بأمر القرى والنجوع، التي عاشت محرومة من كوب ماء نظيف وعاشت مجبرة على شرب الماء مختلطاً بماء الصرف الصحي، بأمر الشباب كل الشباب المعوق الذي فقد عينيه وأطرافه بطلقات الغدر في الميدان، بأمر كل من ذهب ولم يعد ثم وجدت عظامه وبقاياه مدفونة في أقبية أمن الدولة، بأمر الأسرى الذين (فعصتهم) الدبابات الإسرائيلية في سيناء وأقفل الريس ملفهم ولم يطالب لهم بدية، بأمر الغاز الذي اصطف شعب مصر طوابير ليحصل منه على انبوبة بسعر يكسر ظهر الغلابة بينما باعه فخامة الرئيس لإسرائيل بتراب الفلوس، بأمر وقفة المصريين طوابير مهينة للحصول على رغيف خبز قمحه منتهي الصلاحية، بأمر الأرض الملوثة بالمرض والمبيدات المزروعة غلباً والمغصوبة على توزيع السرطان على أطفال مصر المساكين، بأمر الغيطان المحظور عليها قمحها وأرزها انصياعاً لتعليمات الخواجه الأمريكاني التي نفذها فخامة الريس حرفياً، بأمر رؤوس مصر العبقرية التي أبعدت عن حضن وطنها قسراً لتعيش في المنافي ينهل من كنوز أفكارها الغرب المقيت بينما الوطن محروم منها، بأمر المعاناة الطويلة من الفقر، والمرض، والجوع، والبطالة، والذل، وتغول نفوذ السلطة، وتوحش الفساد، وسرقة مقدرات الشعب وكل محاولات تركيع مصر الغالية، بأمر كل شهقة ألم، وكل دمعة حزن، وكل لوعة أم، بأمر الحزن الذي عشش في بيوت مصر وتكاثر فكسى الوجوه الجميلة النبيلة وجعاً لا يكتب، بأمر الشعب العظيم الذي أسقط نظاماً شديد البأس والشراسة (فخامة الرئيس في القفص) لتقتص منه العدالة لشعب نبيل لا يليق به أنه لا أن يكون حراً، الآن هدأ الشارع المتلاطم ونستطيع أن نقول ألا أحد فوق القانون، وإن مصر لم تعد من ممتلكات الريس الملاكي يتصرف في شعبها على هواه، ولم تعد تكية تنهبها الحاشية دون مسائلة، خلاص مصر لم تعد نهيبة، وحان وقت الحساب، وبغض النظر عن نوع الحكم على مبارك أتصور أن مبارك مات ألف مرة وقد أيقن أنه في مواجهة طوفان شعب أقوى من الحاكم. مهم الآن أن تحمي الثورة مكتسباتها وهذه مسؤولية المصريين جميعاً بكل أطيافهم، وفئاتهم، وبغض النظر عن حزب المحروسين (آسفين يا ريس).