18 سبتمبر 2025
تسجيللم تعد الكثير من الدول العربية تفتقر للإمكانات العلمية والمعامل الحديثة لإجراء الأبحاث العلمية والتقنية ولم تعد أيضاً تفتقر للعقول والخبرات في المجالات العلمية الطبية والتكنولوجية، ومع ذلك ما زالت مساهمة هذه الدول ضعيفة جداً في البحث العلمي ومجال الابتكار والاختراع. فما هي المشكلة الحقيقية؟. عندما تمتلك سيارة ولا تجيد قيادتها، فالعيب فيك أنت لا في السيارة، وعندما تشتري جهاز حاسوب من أحدث طراز ثم لا تقدر على الاستفادة من إمكانياته فالمشكلة بالتأكيد ليست في الجهاز، وعندما تمتلك مختبراً حديثاً به معظم التجهيزات المطلوبة للبحث والاختراع ثم لا تنجز شيئاً، فالعيب ليس في المختبر، وإنما في العقل الذي يدير المختبر. بداية يجب أن نعرف أن هناك فرقاً بين البحث العلمي Scientific Research والبحث والتطوير Research and Development، حيث إن البحث العلمي يسعى للمعرفة بغض النظر عن الوصول لمنتج أم لا، في حين أن البحث والتطوير هو بحث علمي يقود في النهاية إلى منتج ينزل إلى الأسواق ويستفيد منه المستهلك ولذلك نجد أن كل عمليات البحث والتطوير هي عمليات بحث علمي وليس العكس، حيث يشترط وجود منتج نهائي يصل للمستهلك في حالة البحث والتطوير. ويقوم العلماء بتقسيم العلوم إلى نوعين علوم أساسية أو علوم بحتة Basic science وهي التي تقوم باكتشاف واختبار وابتكار نظريات واكتشافات، حيث إن مهمتها تقوم بوصف الأشياء أو الحقائق ولا يكون الهدف منها الحصول على منتج أو فائدة على المدى القريب مثل النظرية النسبية أو نظرية الكم أو نظرية الجاذبية، حيث لم يكن هناك أي استخدام لها عند اكتشافها وإنما وضعت لتفسير ظواهر طبيعية أو دراسة حقائق كونية. أما العلوم التطبيقية Applied sciences فهي العلوم التي تقوم بدراسة العلوم الأساسية ومحاولة الاستفادة منها للحصول على تطبيقات أو اختراعات أو منتجات يستفيد منها الإنسان مثل استخدام النظرية النسبية في ابتكار الطاقة النووية للحصول على الكهرباء أو الاستفادة من دراسة الجاذبية في اختراعات كالطائرة والسيارة مثلاً. ويضيف علماء البحث والتطوير علماً ثالثاً هو التطوير Development وهو ما يختص بتطوير العلوم التطبيقية حتى الوصول إلى منتجات يمكن الاستفادة منها تجارياً ومثال عليها اختراع السيارة حيث كان من المستحيل تسويق أول سيارة تم اختراعها لكن مع التطوير والتحسين تم الوصول إلى منتجات قابلة للتسويق حتى أصبحنا نرى الآن السيارات الكهربائية والسيارات الهجينة والفارهة وسيارات الدفع الرباعي والسيارات ذات القيادة الذاتية وغيرها. لماذا يعتبر البحث والتطوير مهماً؟ مهما وجد الدعم الخاص للمعامل والمختبرات العلمية فإنها ستصل لمراحل يتوقف فيها هذا الدعم أو يقل تبعاً للظروف الاقتصادية للداعم سواء كان حكومة أو جهات خاصة أو أكاديمية أما في حالة وجود منتج يصل للأسواق ويعطي أرباحا فإن الوضع هنا مختلف لذلك تضع كل الشركات الكبرى نصب أعينها وجوب وجود أقسام وإدارات خاصة للبحث والتطوير، فشركة مثل سامسونج تصرف ما يزيد على 10 مليارات دولار سنوياً على البحث والتطوير مما ساعدها خلال عام 2018 على تسجيل أكثر من 2000 براءة اختراع، أما شركة نوفارتس للأدوية فهي تصرف ما يتجاوز 15 بالمائة من مبيعاتها السنوية على البحث والتطوير وهو ما مكنها من تبوء مكانة مرموقة في السوق الدوائية حول العالم والأمثلة على ذلك كثيرة. ميزة البحث والتطوير أنه منتج متجدد غير ناضب متوافر لكل جهة توفر متطلباته وتنتج عنه غالباً إبداعات عالمية يمكن أن تنتشر حول العالم ويمكن استخدام منتجات البحث والتطوير داخل الشركة نفسها أو تسويق المنتجات لشركات أخرى نظراً لأن منتجات البحث والتطوير تكون ملكاً للشركة المطورة ويمكن تسجيل المنتج كبراءة اختراع للشركة إذا امتلك مواصفات المنتج الفريد والجديد، وتنتشر الاستثمارات الخاصة والعامة في مراكز وشركات الأبحاث والتطوير في الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان كما أنها أصبحت تتزايد بشكل كبير جداً في الصين والهند وبعض دول جنوب وشرق آسيا والملاحظ أنه حيثما يكون هناك بحث وتطوير حقيقي يكون هناك نمو حقيقي مستدام ومتنوع غير معتمد على الموارد الطبيعية. إذن لماذا لا تسعى الدول والمؤسسات العربية العامة والخاصة إلى رفد جوانب البحث والتطوير بصورة حقيقية؟ ولماذا لا تنتشر مراكز البحث والتطوير التجارية في العالم العربي؟، في الحقيقة إن الاستثمار في البحث والتطوير من أخطر الاستثمارات لأن كافة الاستثمارات حول العالم تكون مبنية على أساس دراسات الجدوى والربح والخسارة وهامش الخطورة فيها واضح، أما استثمار البحث والتطوير فيدخل فيه مبدأ اللايقين أو الريبة Uncertainty وهو مصطلح يبين وجود نسبة عالية في عدم التيقن من الظروف والبيئات المحيطة بالعمل، حيث يصعب التأكد من نتائج هذا الاستثمار بصورة كاملة، لذلك يتخوف كل مستثمر من الدخول في مخاطرة مثل هذه، لكن في مقابل اللايقين هذا فإن مردودات أو عوائد البحث والتطوير تكون عالية جدا ومذهلة وربما مشروع واحد ناجح يغني عن مائة فشل. لذلك ينصح لأي شخص مستثمر يريد أن يفكر في هذا المجال ألا يحصر نفسه في مشروع واحد لكن يفضل أن يوزع استثماراته وتجاربه على مجموعة من المشاريع والأفكار الواعدة، بحيث يجد نتائج من بعض هذه المشاريع أو الأفكار، إن الحديث عن البحث والتطوير يحتاج للعديد من المقالات، معرفة لمَ لم تنجح المراكز العربية في الوصول لإنتاجية حقيقية من مشاريع البحث والتطوير الناجحة يطول شرحها وهو ما سيتم توضيحه بالتفصيل في مدونة قادمة بإذن الله. (المصدر الجزيرة )