11 سبتمبر 2025

تسجيل

الإرهاب والإعلام الجديد (2)

09 يوليو 2016

من خلال الإعلام الجديد تمارس الجماعات الإرهابية مختلف تقنيات وأساليب الإقناع للتأثير في الناشئة واستمالتهم واستقطابهم للالتحاق بها من خلال الفايسبوك وتويتر وانستجرام وواتس أب ويوتوب حيث توجد هناك عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من المشاركين والمتفاعلين مع النصوص والصور والأفلام التي توظفها الجماعات الإرهابية للوصول إلى عقول الشباب والتأثير في عواطفهم ومشاعرهم مثل فيلم Flames of War (داعش) وموقع "خلافة بوك" وتطوير تطبيقات على جوجل بلاي وألعاب الفيديو الإلكترونية وموقع ASK FM. ولقد كشفت الهيئات الاستخباراتية لدول الاتحاد الأوروبي عن وجود شبكات تواصل اجتماعي متخصصة وموجهة لاستهداف شريحة معيّنة كالنساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من أوروبا كي يلتحقن بصفوف التنظيم في سوريا والعراق وليبيا. يركز التنظيم كذلك على إظهار وحشيته والتمرد والسطوة التي تعتبر في بعض الأحيان حاجات عند بعض الشباب خاصة الذين يعانون من الشعور بالتهميش سواء كان حقيقيا أو وهميا، حيث يجدون في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر. تستخدم الجماعات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي لتسهيل التحويلات الماليّة فيما بينها، بالإضافة للحصول على التبرعات المالية، في ظل سهولة استخدام تلك المواقع لتحويل التبرعات والدعم المالي، مع عدم إمكانية التحقق من هوية متلقي تلك التبرعات في بعض الأحيان. وقد اعتمد التنظيم على بعض الفتاوى التي يتم تقديمها من قبل بعض الدعاة المغرّر بهم على تويتر للتضحية بالأموال والأنفس، خاصة منذ أن انتقلت القاعدة إلى سوريا، فكانت هناك بعض التبرعات لحسابات مجهولة تحت دعاوى مساعدة الشعب السوري تصل إلى التنظيم، الأمر الذي حدا بالسلطات بعدة دول إلى التحذير من التبرع للجهات غير المصرح بها رسميًا من الدولة. تستخدم الجماعات الإرهابية الإعلام الجديد لجمع البيانات والمعلومات وبناء العلاقات والاتصال الداخلي. على سبيل المثال أسس أحد المواقع الإرهابية الكبيرة ما أسماه جامعة الجهاد الإلكترونية فهي تحتضن عدة كليات منها كلية الجهاد الإلكتروني وكلية جهاد النفس وكلية تقنية العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وكلية الجهاد الإعلامي!! لابد لنا من أن نعترف أننا أمام الإرهاب الإلكتروني بأننا أمام مجتمع افتراضي تحكمه ديمقراطية وحرية وفوضى بلا حدود ولا قيود. ولا توجد في الغالب مساءلة إزاء وجود محتويات غير قانونية أو غير أخلاقية فضلًا عن إمكانات هائلة في التواصل الصوتي والمرئي والمكتوب بطريقة سرية وفورية وقليلة التكلفة. كما تستخدم الجماعات الإرهابية يوتوب للتدريب حيث تحمل فيديوهات لكيفية تصنيع قنبلة على سبيل المثال أو عبوة ناسفة أو سيارة مفخخة...إلخ. كما يستخدم اليوتيوب لتقديم فيديوهات تشرح وتقدم تفاصيل القيام بهجمات واستخدام الأسلحة المختلفة. كل هذه الأمور تساعد التنظيم الإرهابي على بناء علاقات بين أعضائه في الفضاء الخارجي بعيدًا عن المراقبة الأمنية. حيث يستفيد من أعداد هائلة من الزوار من مختلف الجنسيات واللغات مما يمكن للتنظيم أن يجند بعضهم وأن يكسب تعاطف بعضهم الآخر. وتقوم العلاقات بين الأفراد في التنظيم الإرهابي الإلكتروني على العلاقات على النمط الشبكي الأفقي الذي يتساوى أفراده في الحقوق والواجبات فلا يملك أحدهم السلطة على الآخر فهو مجتمع بلا قوانين ملزمة لسلوك الأفراد ويستطيعون الدخول والخروج من هذه الشبكة متى أرادوا ذلك. تقوم العلاقات داخل التنظيم الإرهابي الإلكتروني على الهيكل الأفقي وعلى مبدأ المرونة والتنسيق والدعم والتخطيط الاستراتيجي والفكري. هذا المنطق يجعلها أكثر قدرة على امتصاص الضربات الأمنية. فالتنظيمات ذات البناء الهرمي الصارم تصاب بالتصدع بعد كل ضربة وقد تنهار نهائيًا، بينما تمتاز المنظمات غير الهرمية بالقدرة على امتصاص الضربة وعزلها والتعافي من آثارها بسرعة لأن العلاقات داخل التنظيم جانبية (أفقية) وليست رأسية (هرمية). ولذلك نرى تنظيمًا إرهابيًا مثل القاعدة أو داعش مثلًا يتبنى معادلة التوجيه الاستراتيجي والاستقلال التكتيكي وترجيح التنسيق الأفقي على الهيمنة العمودية. يحرص التنظيمان على وضع السياج الفكري المتطرف والتكفيري في أذهان الأعضاء مع السماح لهم بقدر كبير من الاستقلالية في التكتيك والأمور العملياتية، فهذه التنظيمات لا تمتلك في الحقيقة أوامر تنزل من الأعلى للأسفل، ولكن العمليات تتفق مع الخط العام للتنظيم وباستقلالية تامة، ما عدا الاسم والفكر فيكونان للتنظيم الأم. تتطور المواقع الإرهابية والمتطرفة بسرعة فائقة من حيث التصميم والإمكانات التقنية وكذلك العدد. ولقد تنبه الإرهابيون مبكرًا جدًا إلى الإمكانات التي توفرها الإنترنت مما جعلهم يطورون تقنياتهم فيها ويسعون دائما للتطور والتواجد الدائم في العالم الافتراضي بالمنطق الرقمي. ويوجد على الشبكة الإلكترونية بعض المواد التي تعد بمثابة دروس مجانية للإرهابيين، خصوصًا المبتدئين منهم، ابتداء من طرق كيفية صناعة الزجاجة الحارقة، مرورًا بكيفية صنع الطرود والسيارات المفخخة وصولًا إلى طرق صناعة القنابل والأحزمة الناسفة، ولقد أصبح كل ما يحتاجه الإرهابي المحترف في هذا المجال الحيوي والمعقد هو جهاز حاسب آلي وكاميرا واتصال بشبكة الإنترنت مما يتيح له القيام بأعمال تخريبية وهو آمن في مقره بواسطة نقرات بسيطة على لوحة المفاتيح ودون أن يترك لنفسه أثرًا. هذه النقرات على لوحة المفاتيح قد تنطوي على أوامر موجهة لبعض الخلايا للقيام بأعمال إرهابية معينة. فالشبكة العنكبوتية العالمية لها مجال مفتوح وواسع وبلا حدود ويتوسع في كل يوم، ويمكنك من موقعك من أي بلد في العالم الوصول لأي مكان دون أوراق أو تفتيش أو قيود، وكل ما تحتاجه هو بعض المعلومات لتستطيع اقتحام الحواجز الإلكترونية. كما أن تكاليف القيام بمثل هذه الهجمات الإلكترونية لا تتجاوز أكثر من حاسب آلي واتصال بشبكة الإنترنت. لقد أصبح الإرهاب الحديث أكثر ضراوة لاعتماده على التكنولوجيا المتطورة للإنترنت التي ساعدت المنظمات الإرهابية في التحكم الكامل في اتصالاتهم ببعضهم بعضا، مما زاد من اتساع مسرح عملياتهم الإرهابية، وبالتالي أصبحت مساعي وجهود مواجهة التطرف والإرهاب أكثير صعوبة وتعقيدا. أصبح الإرهاب الإلكتروني واقعا يفرض نفسه على الدول والأمم والشعوب. فالجماعات الإرهابية لم تتوان يوما ولم تتأخر في الاستثمار والاستغلال الأمثل في الإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته ووسائله ومنابره. الجماعات الإرهابية أدركت منذ الوهلة الأولى أن المعركة هي معركة إعلام وصورة ورأي عام بالدرجة الأولى وأن استخدام الحاسوب المحمول والكاميرا هو السبيل الأمثل لكسب الحرب النفسية والدعاية وكسب عقول الشباب. تجربة القاعدة ثم داعش تشير إلى نجاح هاتين الجماعتين في تنفيذ برامجهما وأهدافهما من خلال فايسبوك وتويتر وواتس أب وانستجرام وفليكر وغيرها من محطات وتطبيقات ومنابر الإعلام الجديد. مكن الانترنت والإعلام الجديد الجماعات الإرهابية من القيام بالدعاية والتجنيد وجمع الأموال والاتصال وجمع المعلومات والاتصال الداخلي وبناء شبكات عالمية من المؤيدين والمناصرين. أصبحت جرائم الإرهاب الإلكتروني هاجسا يشغل الدول التي أصبحت عرضة لهجمات الإرهابيين والجماعات المتطرفة عبر الإنترنت والإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته وأنواعه، وقد أصبحت هذه الجماعات تمارس نشاطها الإرهابي من أي مكان في العالم، وفي أي لحظة. هذه المخاطر تتفاقم يوما بعد يوم، لأن التقنية الحديثة وحدها غير قادرة على حماية الناس من العمليات الإرهابية الإلكترونية والتي سببت أضرارًا جسيمة للأفراد والمؤسسات والدول. ولقد سعت العديد من الدول إلى اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمواجهة الإرهاب الإلكتروني، إلا أن هذه الجهود قليلة وما زالت بحاجة إلى المزيد من الجهود والبحوث والدراسات والتنسيق والتشريع والتنظيم لاحتواء هذه الظاهرة الخطيرة. فمواجهة الإرهاب الإلكتروني تحتاج إلى استعدادات كبيرة من قبل كل دولة سواء في الجانب المعرفي أو اللوجيستي أو القانوني والتشريعي كما يتوجب على المنظومة الدولية أن تكثف جهودها في التنسيق والتعاون من خلال الهيئات والمنظمات الدولية لمحاربة هذه الآفة العابرة للقارات. كما يجب تشخيص الظاهرة ودراستها من مختلف الجوانب والرؤى حتى يتسنى للدول وللمنظمات الدولية أن تقدم الوصفة العملية الناجحة للتخلص من آفة ما انفكت تنتشر وتتضاعف يوما بعد يوم. فالإرهاب الإلكتروني هو قضية الجميع حيث إنه يهدد أمن وسلامة الجميع بغض النظر عن جنسهم ولونهم ودينهم وجنسيتهم.